فانحنى الكونت وخرج مصحوبا بزوجته الثانية. فلما خلت الأم بابنتها قالت لها: تكلمي الآن. قالت: أنت تعلمين يا أمي أن الكونت دي موري يريد أن يزوج بوليت ببالميري لينقذ شرفه. أجابت: نعم، أعلم ذلك. قالت: ولا تجهلين أن هذا الزواج يقتل بوليت ... فأردت إنقاذ من أحب، فاقترحت على الكونت أن أهب له البائنة التي وصلت إلي منك يوم زواجي وردها هو إلي يوم طلاقي.
قالت: فماذا كان جوابه؟ أجابت: إنه رفض المال. قالت: ولقد أصاب، فروجر لا يستطيع قبول هبتك.
فصاحت لورانس قائلة: ولكن فكري في النتيجة، فأنت تحكمين على ابنتي بالموت، وبوليت تروم إنقاذ أبيها بأية حال، فهي عازمة على الانتحار؛ إذ لا بد من هلاك أحدهما ليسلم الشرف. قالت أمها: ولكن ذلك قضاء الله، فهو يضرب الأمهات في أولادهن. فقالت لورانس بكل هدوء: إذ لو لم أكن مذنبة لقبل الكونت عطيتي؟ أليس الأمر كذلك يا أماه؟ أجابت أمها: نعم هو كذلك. قالت لورانس: فاعلمي إذن أنني بريئة مظلومة.
فصاحت أمها: ما هذا الكلام؟ آه ... أرأيت كيف أنك تلجئين إلى الكذب الذي أعرضت عنه قبلا لكي تنقذي ابنتك بوليت. قالت لورانس: لست أكذب يا أماه، وأظنك واثقة من صدق قولي.
وكان الصدق ظاهرا في لهجتها حتى دهشت والدتها، وعطفت عليها وهي متأثرة مرتجفة تقول: ألم تكوني مذنبة؟ أجابت : كلا يا أماه، وأقسم لك بالله وملائكته على أنني لم أهو إلا زوجي روجر، ولم أسلم نفسي إلى سواه قط. قالت: إن القسم وحده لا يغني عن البرهان في مثل هذه الحالات. قالت: لا تطلبي برهانا يا أماه. قالت: ولكن لا بد من البرهان لتنجو ابنتك من الموت. قالت: فهل تسمحين أن أعد هذا الطلب أمرا يجب تنفيذه؟ أجابت: نعم، فتكلمي أيتها الابنة المنكودة الطالع.
قالت: إذن أتكلم! قالت أمها: ما عسى أن تقولي وشريكك في الإثم خر صريعا أمامي؟
فنظرت إلى السماء وقالت: شريكي في الإثم؟ قالت الأم: ولكنني سمعت إقراره مطابقا لإقرارك، ورأيته يموت ولا يسلم تلك الرسائل المشتملة على برهان يؤكد اجترامك.
قالت: لم يكن في تلك الرسائل إلا سر مولده، وهي مكتوبة بقلم أمه.
فأخذ القلق مدام دي لامارش، ولم تفهم تماما فقالت: بقلم أمه؟ تكلمي. فهل فقدت أمه تلك الرسائل؟ ولكن ما شأنك معه؟ ولماذا تكتمين سره، وتبذلين شرفك في هذا السبيل؟ أجابت: إنه كتم السر، وبذل دمه في هذا السبيل. قالت: إنه معذور لأن المسألة تتعلق بوالدته.
فخبأت لورانس وجهها بيديها، وقالت: وإنني كذلك لمعذورة؛ لأن المسألة تتعلق بوالدتي.
صفحه نامشخص