إن الكونت دي موري لبث مقيما في منزله بعد ذهاب لورانس، إلا أن المنزل بات كأنه في حداد، ولاحظ ذلك أنيبال فقال لشقيقته: خير لنا أن نعود إلى منزلنا السابق، فإنني أستشعر الموت حائما على هذا البيت منذ ما قتل فيه رجل.
قالت له: أوضح فكرك. قال: إنني والحق يقال قد ندمت على ما كان مني، فلو لم أقل لك شيئا عن ذلك الرجل الذي قتله الكونت لما قتل، وذلك القتيل المسكين لم يسئ إلينا قط، وما من سبب كان يحملنا على الإساءة إليه.
قالت: وهل يوجد عداوة بين الجنود الذين يطلق النار بعضهم على بعض في المعارك؟ إن الحياة نضال دائم يختلف أشكالا، فويل للمغلوبين، وحبذا الغالبون!
قال: ولكنا لسنا بغالبين كما تزعمين.
قالت: اصبر ثمانية أيام فقط وسوف ترى. •••
وفي ذات يوم زار الكونت دي موري الدوقة، وكان كأنه يمشي ويتكلم في نومه، فلما رأته جرجونة ملئ فؤادها سرورا، غير أنها تجلدت فلم يبد عليها شيء من الفرح، فخطبها إلى نفسها، وأجابته إلى طلبه، فأظهر رغبته في تعجيل الأهبة للزفاف، وهو في الحقيقة يحاول الانتقام من لورانس بإحلال امرأة أخرى محلها في بيتها وتسميتها باسمه دونها. ففي ثلاثة أسابيع تم كل تأهب، إلا أن الكنيسة
1
لم تعقد الزواج، فاضطرت الدوقة إلى الاكتفاء بالعقد المدني، وكانت مستاءة من أن الحفلة لم تكن دينية، فقالت لأخيها: لو شئت لأخذت عشرة وأكثر من العشاق دون حاجة إلى استئذان رجال الدين، غير أن الزوج وهو واحد يخيفني ولا أدري لماذا! وهكذا صارت جرجونة تلقب بالكونتة دي موري، وقد مر ذلك كله بسرعة البرق.
أما لورانس فارتعدت إذ وصل إليها نبأ الزواج على يد الخادم الهندي ملطار، وأصيبت بمرض لزمها أياما ويئس منها الطبيب، لكنها تماثلت إلى الشفاء بعد أن زفت جرجونة إلى الكونت بأسبوع واحد. •••
تغير منزل الكونت دي موري بعد زواجه الثاني تغيرا كبيرا، فصار قصرا حقيقيا، وتكاثر فيه الخدم، وتوالت فيه الحفلات، وامتلأت الإصطبلات بالخيول والمركبات، وازدانت السلالم بالرياحين وبالأزهار، وظهرت فيه الحياة والحركة، وكل ذلك بعناية الكونتة دي موري؛ أي الزوجة الجديدة للكونت، وهنا لا بد من القول أنه تردد في الرضى بذلك الانقلاب، إلا أنه ما لبث أن أذعن للإيطالية الحسناء، وكانت راغبة في الظهور للناس بعد أن وثقت بفوزها ورسوخ قدمها في الأرض التي افتتحتها بحسنها ومكرها، ولم يطب عيش الكونت دي موري؛ لأنه كان دائم التفكر في زوجته الأولى، يفر من حفلات السرور والطرب التي تقام في بيته إلى حجرته الخصوصية، ويحدث نفسه عما مر به من الحوادث فتنتابه الأحزان.
صفحه نامشخص