تحسس ركبته. كان سرواله قد تمزق وكشط جلده، وكذلك خدشت يداه، ودخلت الرمال والرماد تحت أظفاره. اتجه إلى حافة السكة الحديدية حيث المنحدر الصغير المؤدي إلى المياه وغسل يديه؛ غسلهما بحرص في المياه الباردة وأزال الوسخ من تحت أظفاره، ثم قرفص وغسل ركبته.
يا لعامل المكابح، ذلك الرجل الحقير الكريه! إنه سينال منه ذات يوم. سيراه ثانية ويتعرف عليه. كان ذلك هو التصرف المناسب.
لقد ناداه قائلا: «تعال إلى هنا يا بني. لدي شيء لك.»
وقد وقع في الشرك. لكم كان تصرفه صبيانيا سخيفا! لن يسمح لهم بأن يخدعوه هكذا ثانية. «تعال إلى هنا يا بني، لدي شيء لك.» وبعد دوي صدر فجأة، وجد نفسه واقعا على يديه وركبتيه بجوار السكة الحديدية.
فرك نك عينه، ووجد بها تورما كبيرا. ستصير عينه سوداء، لا محالة. إنها تؤلمه بالفعل. يا له من رجل حقير عامل المكابح هذا!
تحسس الورم الموجود فوق عينه بأصابعه. أوه، حسنا، إنها مجرد عين سوداء واحدة. هذا هو كل ما ناله. ثمن بخس! تمنى لو أنه يستطيع أن يراها. نظر في المياه لعله يراها؛ فلم يفلح. كان الظلام قد خيم، وكان هو في رقعة منعزلة بعيدة عن أي مكان يعرفه. مسح يديه في سرواله ونهض واقفا، ثم تسلق الحافة متجها نحو السكة الحديدية.
راح يسير على خط السكة الحديدية. وقد وجد السير عليه يسيرا؛ إذ كان قد رصف رصفا جيدا، وقد تكدس الرمل والحصى بين العوارض؛ مما جعله ممشى متينا. كانت الأرضية الملساء تمتد للأمام عبر المستنقع كأنها طريق معبد، وسار نك عليها؛ إذ كان عليه أن يبلغ مكانا ما.
تعلق نك بقطار الشحن حين أبطأ من سرعته قبل دخوله إلى ساحات القطارات خارج والتون جانكشن. مر القطار بكالكاسكا وكان نك ما يزال على متنه حين بدأ يحل الظلام. لا بد أنه قد أصبح الآن بالقرب من مانسيلونا. لا يزال أمامه ثلاثة أميال أو أربعة من أراضي المستنقع. راح يسير على السكة الحديدية وحافظ على السير بين عوارض القضبان حيث المناطق المستوية المرصوفة، وبدا المستنقع كالشبح في الضباب المتصاعد. كانت عينه تؤلمه وكان يشعر بالجوع. استمر في السير مخلفا وراءه أميالا من السكة الحديدية. وظل المستنقع كما هو يحف بالسكة الحديدية من كلا الجانبين.
رأى أمامه جسرا. عبره نك، وراح حديد الأرضية يصدر صوتا أجوف تحت وقع خطواته. كانت المياه من تحته تبدو سوداء من بين شقوق العوارض. ارتطمت قدم نك بمسمار ضخم مفكوك، فسقط في الماء. كانت هناك تلال بعد الجسر. على جانبي السكة الحديدية، كان المكان مظلما ومرتفعا. وفي الأمام بجانب السكة، أبصر نك نارا.
تقدم على القضبان متوجها بحرص إلى النار. كانت النار تميل إلى أحد جانبي القضبان، أسفل حافة السكة الحديدية. لم ير منها سوى نورها. هناك كان ينقطع امتداد القضبان، وإذ بريف يمتد بداية من موضع النيران المشتعلة ويتناهى بعيدا إلى الأحراج. هبط نك بحذر من على حافة السكة الحديدية، واتجه إلى الأحراج كي يتقدم إلى النار من بين الأشجار. كانت غابة من أشجار الزان، وراحت قدماه تخطوان بين الأشجار على الحواف الخشنة لثمار الزان المتساقطة. أصبحت النار الآن أكثر توهجا عند حافة الأشجار بالضبط. كان هناك رجل يجلس بجانبها. انتظر نك خلف الشجرة وراح يراقب الموقف. بدا أن الرجل كان بمفرده. كان يجلس هناك ورأسه بين يديه بينما ينظر إلى النار. تحرك نك من مكانه واتجه صوب ضوء النار.
صفحه نامشخص