وفي السنة السابعة من تلك الحياة السوداء؛ أي لما بلغت «كاتوشا» ثمانية وعشرين سنة، حدثت في البيت الذي كانت فيه جريمة هائلة، فاتهمت مع المتهمين وسجنت ثلاثة شهور مع اللصوص والقتلة والمجرمين قبل المحاكمة التي تنتهي بنفيها إلى سيبريا.
انتهى الفصل الثاني من كتاب البعث، تأليف تولستوي.
ويرى القارئ أن تولستوي أيضا قسم الذنب إلى قسمين: قسم يسقط على رأس «كاتوشا»؛ لأنها رفضت العمل كغسالة وخافت من الخدمة، ولأنها اختارت حياة الراحة والنعيم على حياة التعب الشريف، والقسم الثاني - وهو أكبر القسمين - على الهيئة الاجتماعية التي أساءت إليها؛ لأنه لو لم يزل الأمير بكارتها ما تركت السيدتين، ولو لم يداعبها الضابط ما تركت داره، ولو لم يطاردها التلميذ الكبير الذي خدمت في بيت أمه ما خرجت مجروحة الفؤاد، إذن الذنب واقع على الناس أكثر من وقوعه على «كاتوشا» المسكينة الحزينة السجينة.
أما الجواب الذي من عندي، فهو بسيط صغير، وهو أن الذنب كله واقع على رأس الرجل أولا وعلى الهيئة الاجتماعية ثانيا؛ لأن الرجل هو الذي يهجر زوجته، وهو الذي يغري الفتاة فتصير امرأة، وهو الذي يغازل الحرة ويطارحها الغرام، وهو الذي يترك زوجته حاملا وابنه في أحشائها ولا يسأل عنها، فيجبرها الفقر على بيع العرض، وهو الذي يعلمها التدخين وشرب الخمر، وهو الذي وضع القوانين وسن الشرائع، فلم ينصف المرأة وظلمها ... الرجل هو الذي يقع على رأسه ذنب المرأة، ولا تكفير لسيئاته نحو تلك المخلوقة الضعيفة إلا تهذيبها وتعليمها ومنع نفسه عنها منعا باتا إلا بطريقة شرعية، أليس لنا بالحيوان الأعجم أسوة، وكل ذكر منه مكتف بأنثاه؟
إني أعتقد بأن المرأة تصلح لأن تكون ملكا طاهرا أو ملكة عادلة أو أما شفيقة أو زوجة فاضلة ومدبرة عاقلة، أو بغيا ساقطة أو مجرمة قاتلة، وكل ذلك في يد الرجل، فليجعلها كما يشاء، والذنب ساقط على الهيئة الاجتماعية ثانيا؛ لأنها ترى كل تلك الأمور ولا تمد يدها للمرأة، وتساويها بالرجل في كل شيء، فإنه عار على عصر العلم والمدنية والحرية والفلسفة أن تبقى فيه المرأة تزني لتأكل.
ولو بعث المسيح الآن حيا، وسئل عن رأيه في سقوط المرأة لأعاد الكلمة التي قالها منذ تسعة عشر قرنا، وهي: «من كان منكم طاهر الذيل فليرمها بحجر.» وقد يقول بعض الجاهلين بأن الكتابة في هذا الموضوع في مصر لم يأن أوانها، أو هي من قبيل وضع الشيء في غير محله، وقد فرضنا هذا القول من قبل وهزأنا به؛ لأنا نكتب للعقلاء، فإن لم يرض العقلاء بما نكتب فإنما نحن نكتب لنطرح عن قلبنا حملا ثقيلا ولنؤدي للإنسانية خدمة صغيرة، ونحن نتمثل بكلمة «جول سيمون» التي قالها في أول كتابه «المرأة في القرن العشرين»: «ولا أطمع بأن أبدي رأيا جديدا، ولكن إذا لم يكن لكلامي تأثير إلا في تعزيز بعض المبادئ التي أهملت، فإنني أعتبر عملي جديرا بالتعب.» ونحن إذا لم نبد رأيا جديدا، إنما نؤيد آراء أكابر الكتاب الذين كتبوا في «ذلك الموضوع»؛ مثل فيكتور هوجو وألفرد موسيه وروبرت هيتشنز وشيخنا تولستوي، ول «طانيوس عبده» رأي في ذلك الموضوع نجعل به ختام المقدمة مسكا:
المومس والشمس
غادة لو تجملت بجمال الن
نفس كانت آلهة الجلاس
طلعت مطلع الغزالة تختا
صفحه نامشخص