أحمل في حقيبتي العديد من تذاكر الحافلات العامة، والميكروباصات والقطارات، تبدأ عادتي مع الصباحات الجديدة، تلتقط عيني صور البؤس في الوجوه، وترتيبات الفقر التي تجيد مدينتي نسجها.
أختبئ بين جناحي تلك الطائرة الورقية التي ورطتني صغيرة، فأبحر عبرها، وأتباهى بذاتي وأنا أتطلع إلى ضآلة البشر.
يوسوس لي شيطاني باختلاس النظر إلى عهر الطرقات وعورات الشرفات المغلقة، وأكتب بها آلاف الحكايات، فأجعل من ساكنة الخيمة المهترئة سندريلا هذا العصر، لن تنتظر الخادم ليحضر لها حذاءها الضائع، وإنما ستبحث عنه في إشارات المرور وبين صناديق القمامة.
وهذا الطفل النائم مستترا بسقف العربة، يحاكم في أحلامه الجني عن عمره الذي سرقه تجار الأزقة والطرقات.
أجيد مزاحمة الطوابير، فأمد أذني بامتداد الأيادي، أتابع ملامح العشق المولود، وثرثرات النساء وخيباتهن، وأداعب الأطفال فوق الأكتاف، لأسرق براءتهم وأهبها لأبطالي.
وكلما حل دوري، أستعرض لطفا متكلفا، فأقدم علي هذا العجوز الذي قضى العمر في صفوف لا تنتهي للحصول على الدعم، والدواء، وبعض الكسوة، أو ربة المنزل التي تختلس لحظات العيش بين آلاف الفرص للموت جوعا وكمدا وقهرا .
وحينما يواجهني الخباز بانتهاء الطابور، أشتري رغيفا أو اثنين أسد بهما تربصه وتحفزه.
أسافر في حقيبة علي بابا الذي اختار التصالح مع «الأربعين حرامي»، وشاركهم سرقتهم، وناسبهم، وأنجب آلاف اللصوص.
في نهاية يوم أبحث عن هدهدي، وحينما أكتشف هروبه، أتوعده بعقاب لن أنفذه، ثم أجمع أوراقي وأعد قلمي للمقصلة. أكتب جملا افتتاحية عدة، وأمارس ألاعيبي الكتابية. أتربص بمرآتي وأسألها عن أفضل حكاياتي، وحينما تجيبني؛ أحطمها بغرور كتابي. أبدأ في محو بعض الكلمات، ثم أمزق وجه ورقتي؛ فلا تعجبني البدايات، وأبدأ من جديد للبحث عن قصتي.
ريحة الكحك
صفحه نامشخص