ولكن الطالب لم يقلد مثل أستاذه بل صدق عينيه، ونحن نعرف أن الطالب كان محقا وأرسطوطاليس مخطئا.
وبمثل هذا الطالب تقدمت العلوم هذا الحد العظيم حتى بتنا أحيانا نخشاها ونرى أننا لا نستطيع اللحاق بها؛ لأن سرعة تقدمها تفوق وتعدو حدود النظم الاجتماعية الراهنة التي مهما تطورت فإنها دون التقدم العلمي وأبطأ منه.
فنحن في حاجة إلى مثل هذا النظر في الأدب، حتى نعمل كما عمل هذا الطالب في اعتماده على العقل دون النقل، بحيث لا نخشى أن نقول إن ذلك الشاعر أو الكاتب كان مخطئا، وأن ذلك الأسلوب البليغ في عرف القدماء هو في نظرنا معقد عويص بلا داع إلى تعقيد أو تعويص. كذلك نستطيع أن نجهر بأن تلك الأخلاق القديمة لم تعد توافقنا فنحن في حاجة إلى «الاجتهاد» فيها والخروج من التقليد.
وبعبارة أخرى يجب أن نتجدد في أخلاقنا وأدبنا وشرائعنا، وأن ننزل هذه الأشياء كلها منزلة العلم الذي لم يتقدم إلا بالخروج على السنن القديمة والتقاليد العتيقة.
وقد يخشى بعض الناس أن الإفراط في ترك التقاليد يؤدي إلى الفوضى، ولكنهم ينسون أن الإنسان بطبيعة الوسط الذي يعيش فيه محافظ يكره التبديل ويرى فيه ما يجهد ذهنه وأعصابه، فاللغة التي نتكلمها هي لغة ألوف السنين الماضية، وهي تطبعنا بالرغم منا بطابع السلف، وعاداتنا وأدياننا ومعظم أحوالنا المعيشية هي عادات الآباء التي لا نستطيع الخروج منها إلا قليلا مهما اجتهدنا.
ولكن على هذا القليل يتوقف تقدم الناس ورقيهم وتفوقهم.
صفحه نامشخص