در جهان رؤیا: مقالات منتخب جبران خلیل جبران
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
ژانرها
فرفعت مليكة البنفسج قامتها ومدت أوراقها ونادت رفيقاتها قائلة: «تأملن وانظرن يا بناتي. انظرن إلى البنفسجة التي غرتها المطامع فتحولت إلى وردة، لتتشامخ ساعة ثم هبطت إلى الحضيض. ليكن هذا المشهد أمثولة لكن.»
عندئذ ارتعشت الوردة المحتضرة واستجمعت قواها الخائرة، وبصوت متقطع قالت: «ألا فاسمعن أيتها الجاهلات المقتنعات، الخائفات من العواصف والإعصار: لقد كنت بالأمس مثلكن، أجلس بين أوراقي الخضراء مكتفية بما قسم لي، وقد كان الاكتفاء حاجزا منيعا يفصلني عن زوابع الحياة وأهوائها، ويجعل كياني محدودا بما فيه من السلامة، متناهيا بما يساوره من الراحة والطمأنينة. ولقد كان بإمكاني أن أعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرني الشتاء بثلوجه، وأذهب كمن ذهب قبلي إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف من أسرار الوجود ومخبآته غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض. لقد كان بإمكاني الانصراف عن المطامع، والزهد في الأمور التي تعلو طبيعتها عن طبيعتي، ولكن أصغيت في سكينة الليل، فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم: «إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود.» فتمردت نفسي على نفسي، وهام وجداني بمقام يعلو عن وجداني، وما زلت أتمرد على ذاتي وأشوق إلى ما ليس لي حتى انقلب تمردي إلى قوة فعالة، واستحال شوقي إلى إرادة مبدعة، فطلبت إلى الطبيعة - وما الطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية - أن تحولني إلى وردة، ففعلت، وطالما غيرت الطبيعة صورها ورسومها بأصابع الميل والتشويق.»
وسكتت الوردة هنيهة، ثم زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفريق: «لقد عشت ساعة كوردة. لقد عشت ساعة كملكة. لقد نظرت إلى الكون من وراء عيون الورود، وسمعت همس الأثير بآذان الورود، ولمست ثنايا النور بأوراق الورود. فهل بينكن من تستطيع أن تدعي شرفي؟»
ثم لوت عنقها، وبصوت يكاد يكون لهاثا قالت: «أنا أموت الآن. أموت وفي نفسي ما لم تكنه نفس بنفسجة من قبلي. أموت وأنا عالمة بما وراء المحيط المحدود الذي ولدت فيه، وهذا هو القصد من الحياة. هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام والليالي.»
وأطبقت الوردة أوراقها وارتعشت قليلا، ثم ماتت وعلى وجهها ابتسامة علوية، ابتسامة من حققت الحياة أمانيه، ابتسامة النصر والتغلب، ابتسامة الله.
حياة الحب
الربيع
هلمي يا محبوبتي نمش بين الطلول؛ فقد ذابت الثلوج، وهبت الحياة من مراقدها وتمايلت في الأودية والمنحدرات. سيري معي لنتتبع آثار أقدام الربيع في الحقل البعيد. تعال لنصعد إلى أعالي الربى ونتأمل تموجات اخضرار السهول حولها.
ها قد نشر فجر الربيع ثوبا طواه ليل الشتاء، فاكتست به أشجار الخوخ والتفاح، فظهرت كالعرائس في ليلة القدر، واستيقظت الكروم وتعانقت قضبانها كمعاشر للعشاق، وجرت الجداول راقصة بين الصخور مرددة أغنية الفرح، وانبثقت الأزهار من قلب الطبيعة انبثاق الزبد من البحر.
تعالي لنشرب بقايا دموع المطر من كئوس النرجس، ونملأ نفسينا بأغاني العصافير المسرورة، ونغتنم استنشاق عطر النسيمات .
صفحه نامشخص