لكن الدكتور العودة - جزاه الله خيرا - لا زال (مصمما) على الأمر الأول جريا على المثل (عنزة ولو طارت)! فطلبته للمناظرة أكثر من مرة وقدمت له تنازلات كبيرة لدرجة أنني رضيت أن يحكم بيننا قسم التاريخ في الكلية التي يتولى عمادتها الدكتور العودة! والتزمت له بأن يجعل الرواية الضعيفة التي يجدها عندي في كتابي (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) - إن وجدت - بعشر مما ذكره في كتابه! والتزمت له بمنع كتابي من الأسواق إن حكم عليه بينما لم ألزمه بمنع كتابه من الأسواق إن حكم عليه! وإنما ألزمه بتصحيح الأخطاء فقط ومع كل هذه التنازلات الكبيرة مني والتي تشبه التنازلات في (صلح الحديبية) ! إلا أن الدكتور العودة لم يقبل ذلك! وأظن أن بعضكم يعرف لماذا لم يقبل الدكتور المناظرة؟! لأنه يعرف أدلته تماما ويعرف أن رسالته قائمة على سيف الكذاب المتهم بالزندقة ويعرف أنه يحيل على مصادر ناقلة عن سيف ولا يخبر القراء بذلك!ويعرف أن المنهج الذي نادى به في المقدمة لم يطبقه على كل مرويات الكتاب البالغة أكثر من (450) رواية! كل هذا كان يعرفه الدكتور! وكنت أعرف أنه يعرف هذا؟! ولذلك أرجو ألا يستغرب القارئ تنازلاتي الكبيرة في سبيل حصول المناظرة لأنني أعرف ماذا أقول! ولست متهورا في هذه التنازلات كما يظن بعض الأخوة! ويكفي من هذه التنازلات أنها أوضحت للقراء ملامح النتائج قبل حصول المناظرة؟! وأنها عرفت القراء على الوضع (الجيد!) لبعض الرسائل الجامعية عندنا! وأنا أظن أن الدكتور العودة كان ذكيا في تجنبه المناظرة لأن أصحاب البيت أعلم بما فيه! وبمدى توفر سبل الحماية له! فلذلك أنا أعذر الدكتور العودة على رفضه المناظره واكتفائه بالاستعداء عن بعد! لكن لا أعذره في دخوله الحوار لأنه إذا كان يعرف أن هذا (هو وضعه) هو ورسالته وأنه لن يعترف بهذه الأخطاء الكبيرة فكان من الخطأ أن يدخل في الحوار أصلا! فلو لم يدخل في الحوار من البداية لكان أستر له ولرسالته ولسيف بن عمر من وضوح الحقائق على الملأ! ولعله الآن قد عرف أن الدكتور حسن الهويمل عندما حثه على الدخول في الحوار حول هذه المسائل أن الهويمل لم يكن ليريد له خيرا!.
على أية حال: هذه قصة الحوار الأولى بيني وبين الدكتور العودة فإنه بعد أن نشر أربع حلقات في صحيفة الرياض رددت عليه هناك في حلقة واحدة مطولة ثم أجرت معه صحيفة المسلمون لقاء (حذر فيه) ! من اطروحاتي أنا والدكتور الهلابي! وحاول أن يربطها بأطروحات المستشرقين والمبتدعة! وهذا ليس بمستغرب منه لأن هذه العادة في الحوار - كما قلت سابقا - هي الأصل عند كثير من دارسي التاريخ اليوم، تقليدا منهم لغلاة العقائديين فإنهم عندما تعوزهم الحجة والدليل يلجأون إلى اتهام نيات المخالفين لهم واتهام عقائدهم ومناهجهم...الخ فهذا الطريق عندهم يبدو أنه أسهل طريق للدفاع عن الذات! مع ما يحققه لهم هذا الأسلوب من مديح وإطراء من المعجبين بهم من بعض التلاميذ وبعض الزملاء الذين يضفون عليهم ألقاب الثناء العطر! لأنه في سكرة هذا الثناء لا يشعر المؤرخ بأخطائه وإن شعر بها فهو غير مستعد للتفريط في هذا (الجمهور العظيم!) الذي قد لا يزيد على الستة أو العشرة! ويرى أن هؤلاء وحدهم هم (شهود الله في أرضه) ! وأن ثناءهم حجة لا تقبل الرد وإجماع لا يقبل النقض!
صفحه ۸۰