أعود فأقول: إنني أجد خلطا كبيرا عند الدكتور العودة وعند كثير من المؤرخين من الإسلاميين وغيرهم؛ هذا الخلط بين تطبيق المنهج وبين (الإحساس) أو (حديث القلب) أو (المصالح) أو (حب مخالفة ما توصل إليه بعض الكفار والمبتدعة) أو (حب إثبات ما ذكره بعض علماء المسلمين) وهكذا نجد كثيرا من المعايير ليست علمية البتة ولا دخل لها بالنواحي العلمية، ولو أننا نحكم على الحديث أو الرواية بالكذب لمجرد إحساسنا بصحتها لأثبتنا كثيرا من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة! ولاختلفنا إختلافا كبيرا لأن (الإحساس) يختلف من شخص لآخر بينما المنهج في الجملة صامت لا يحابي إحساسا ولا عاطفة ثم إن الإحساس غير معتبر لا في منهج المحدثين ولا غيرهم، وإنما قيل أنه يتبعه بعض غلاة الصوفية ويطلقون عليه (التذوق) ! كما أن (مراعاة المصالح) تختلف باختلاف الرؤى نفسها فإذا كان الدكتور العودة يرى أن توثيق سيف وإثبات أكاذيبه عن ابن سبأ وغيره من باب المحافظة على المصلحة (مصلحة التراث! فإن لآخر أن يدعي أن نفي هذه الأكاذيب من (مصلحة التراث) أيضا! بل المصلحة هنا متحققه ولو كان الدكتور العودة يعلم - وقد يعلم مستقبلا - خطورة إثبات روايات سيف عن ابن سبأ؛ لما رأى التمسك بها البتة لأن روايات سيف عن ابن سبأ تثبت أن بعض كبار الصحابة من بدريين وغيرهم كانوا ينفذون خطط عبد الله بن سبأ! (وسيأتي تفصيل ذلك حتى يتبين للناس أن إثبات ابن سبأ بكامل دوره أخطر من نفيه وأن أكثر علماء المسلمين على نفي دور عبد الله بن سبأ من القرون الأولى إلى اليوم).
صفحه ۴۱