در اوقات فراغت
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
ژانرها
مصطفى صادق الرافعي
تاريخ آداب العرب
طلبت الجامعة المصرية للكتاب والأدباء في مصر أن يضعوا تاريخا لأدب اللغة العربية؛ ليكون كتابا لطلابها، فكان من السابقين لإجابتها حضرة مصطفى صادق الرافعي. وقد ظهر أخيرا الجزء الأول من كتابه. وهو جزء ضخم كبير القطع يقع في أربعمائة وأربعين صفحة. وقد بقي أمام المؤلف أربعة أجزاء «من غرار هذا الجزء وحجمه». فنحن لذلك إنما نحكم الآن على قسم من خمسة أقسام من التاريخ العام الذي أخذ المؤلف نفسه بوضعه. على أننا سنبدي آراء تشمل هذا الجزء وما بعده فيما يختص ببعض المسائل كأسلوب الكاتب وطريقة تقسيم الكتاب وسيره في عمله. وآراء أخرى تختص بهذا الجزء وحده؛ لأنها تقتصر على النظر في محتوياته.
المؤلفون اليوم في مصر وفي البلاد العربية على العموم قليلون. والمواضيع التي يطرقونها محصورة؛ لذلك ترى كل واحد منهم متى أخذ يكتب في موضوع أراد أن يستوعب في كتابه كل ما جاء في هذا الموضوع أو يمسه، ويكسب من ذلك أن يخرج الكتاب كبير الحجم يسر مؤلفه ويعجب الناظر إليه. وقليل جدا من يحصر كتابته في الموضوع الذي يبحثه إلا متى اضطرته الحاجة للمساس بغيره. وهم في ذلك معذورون؛ لأن هذه الطريقة الدقيقة التي تضطر الكاتب لأن يحدد عمله في الوقت عينه يتعمق ما استطاع في دائرة كتابه إنما تجيء نتيجة لازمة لكثرة البحاث والكتاب؛ مما يضطرهم لتقسيم العمل فيما بينهم، ويجعل كل واحد ملزما أن يخرج للناس جديدا من الأفكار أو الأشكال أو المعلومات حتى يجدوا في قراءته لذة أو فائدة. أما في البلاد الفقيرة فكل بضاعة رائجة؛ لأن المطلوب دائما أكثر من المعروض؛ لهذا أرى واجبا أن ننظر لكتابنا من غير تشدد، وأن لا نطالبهم فيما يعملون باتباع طريقة دقيقة. فإذا جاء الكاتب الذي يعرف طريقة التأليف، ويفهم أن المطلوب ليس هو وضع أخبار ومعلومات بعضها فوق بعض؛ كنا مدينين له بالشكر الكبير.
وأظهر الكتب دلالة على ما أقول ما كتب عندنا عن أدب العرب، فإنك قل أن تجد في هذا الباب على أنه مطروق كتابا انتهج صاحبه فيه طريقة تأخذ بنفس القارئ جدتها أو جودتها. والغريب أنهم حين يريدون الكتابة في تاريخ الأدب، أي: حين يريدون أن ينقلوا للقارئ ابن القرن العشرين نفس أهل القرون الأولى، تراهم انتقلوا هم أنفسهم بين أهل هذه العصور المتقدمة، وانتحلوا لأنفسهم طريقة أولئك في الفهم والفكر والتعبير، ثم بقوا هناك من غير أن يترجموا لنا عن صور نفس أهل هذه العصور؛ لذلك كانت كتبهم قليلة الفائدة؛ لأن الواجب المهم على الكاتب ليس أن يسرد الوقائع أو أخبار الرجال أو آراءهم العامة المعروفة. بل أن يبين لقارئه النقط النافعة الظاهرة فيما يريد أن يكتب عنه. فإذا فرغ القارئ من الكتاب خرج منه بفكرة معينة مضبوطة تدل على نفس الكاتب، ومبلغ تقديره للحوادث. وإلا فما معنى أن يكتب كاتبون مختلفون فضلا عن عدد كبير من الكتاب في علم واحد أو مسألة واحدة أو تاريخ خبر مخصوص، إذا كان القصد نقله عن كتاب قديم أو رواية موجودة. أليس الأحسن - إن صح ذلك - أن نرجع للكاتب القديم نفسه أو أن نراجع الرواية.
وعذر بعض هؤلاء الكتاب أن اللغة العربية هي لغة الماضي والحاضر والمستقبل؛ لذلك فخير من يكتب بها هو من يضاهي المتقدمين من الكتاب في ألفاظه وتعابيره. وكأنهم ما علموا أن الألفاظ والتعابير تتغير من زمان إلى زمان ومن مكان لآخر. وأنقل هنا كلمات مصطفى صادق الرافعي في هذا الموضوع قال (ص49): «الإنسان ملهم بفطرته أصول الحياة، وليست اللغة بأكثر من أن تكون بعض أدواتها التي تعين عليها؛ ولذا تراها في كل أمة على مقدار ما تبلغ من الحياة الاجتماعية قوة وضعفا.» وقال (ص55): «اللغة بنت الاجتماع، وهي ألفاظ ملك السامع في الحقيقة لا ملك المتكلم.» وهذه الفكرة غاية في الدقة والإمعان. فإذا كان ذلك فلم يبتعد الكتاب بمراحل عما يتصوره قارئوهم أو سامعوهم؟ ولم هم يذهبون في تحريرهم كأنما يريدون تعليق كتبهم على أطلال العرب؟
لنا اليوم لغة كتابية متعارفة بيننا نكتب بها في جرائدنا وفي رسائلنا وفي مذكراتنا، فلم ننساها مرة واحدة ساعة نريد أن نكتب كتابا في علم ما، وخصوصا في تاريخ أدب العرب؟ أحسب ذلك راجعا لتقدير الذين يتناولون هذا النوع من الكتابة أنهم هم أنفسهم أدباء، فيجب أن تسمو كتاباتهم عن هذه الكتابة المعروفة اليوم خيفة أن لا يكون لهم فضل. هم يظنون أن القارئ يحني رأسه اعترافا بعلو مركزهم حين يسمعهم يجيئون بالألفاظ غير المعروفة ولا المتداولة، بالرغم مما يكون في تركيبهم من التعقيد اللفظي والمعنوي وفي أساليبهم من الركاكة. وهذا الظن من جانبهم يكفي ليفهم الكثيرين قدرهم بمجرد قراءتهم.
ليس الأديب بالشخص العارف لعويص الألفاظ ومتروكها، ولكنه الشخص الذي يستطيع أن يلبس المعاني الجميلة أو الأفكار الدقيقة أو الصور أو النغمات - أو أي شيء مما يقع تحت الحس أو يجول في النفس - لباسا يظهر من خلاله جمالها وإبداعها. وكلما سهلت ألفاظه كانت أعذب سماعا وأقرب للقلب وأحب للنفس.
يخيل لي أن الكاتب الذي ينتزع نفسه من الوسط الذي يعيش فيه، وينتحل في أسلوبه وخيالاته وأفكاره صورا ليست له ولا لقومه، شخص شارد عن الجماعة التي يقيم بينها خارج عليها منكر نفسه وأصحابه. وإلا فما ذا الذي يدعو كاتبا عاش في مصر وبين المصريين ليستمطر الغيث أو يعشق البادية ما لم يكن منكرا مصر ومقامه فيها. (1) أسلوب كتاب الرافعي
وإني آسف أن أقول: إن كتاب تاريخ آداب العرب فيه شيء من هذا الرجوع إلى أطلال سكان شبه الجزيرة الآسيوية. ويكفي دليلا على ذلك أن أنقل للقارئ السطور الأخيرة من كتابه. قال (ص 437): «هذا مجمل من أمر الرواية والرواة، ولولا أني حبست من نفس المقال، وعدلت بالقلم عن انتجاع الغيث إلى التلال لأمضيت البحث لطيته. وتركت الخاطر على سجيته. ولكنها قصبة من جناح قد طار. وأثارة من علم صار من الإهمال إلى ما صار. وإن هو إلا بساط كان منشودا فطوي وحديث قيل ثم روي.»
صفحه نامشخص