وكان أديب مغرما بمصر، محبا لها حبا ملك شغاف قلبه، مثله في ذلك مثل الشدياق، ولا بدع, فقد آنته في غربته، وأعطته الحرية التي حرمها في وطنه، وأفسحت له مجال العمل، وقدرت جهده، حتى منحه الخديوي الرتبة الثالثة بيده، وأنزلت كفاءته منزلتها, فعينته في الوظائف الكبيرة، ثم إنها ملجأ الأحرار، وزعيمة الشرق العربي، ونهوضها -كما كان ذلك رأي أستاذه جمال الدين- نهوض للعرب أجمعين، وفي مصر يقول أديب: "ومصر، ولا حياء في الحب، بلد تركت فيه زهرة أيام الشباب، وخلفت غرس الآداب، وهززت غصن الأماني رطيبا، # ولبست ثوب الآمال قشيبا، فما عدلت بي عن حبكها النكبة، ولا أنستني عهدها الغربة، ولست أول محب زاده البعد وجدا، ولم ينكث على العهد عهدا، فحذار أهل مصر إن العدو لكم بالمرصاد، وإنكم لمحفوفون بالعيون والأرصاد".
واستمع إليه يقول في الحزب الوطني وأمانيه وأنه "يريد أن يكون المصري في مقام الإنسان، مستقلا بوجوده متمتعا باستقلاله، فائزا بحقوقه، نهاضا بواجباته، وتريدونه بمنزلة الحيوان، يساق للموت، فإن عجز فللسلخ، ويطلب أن يكون الوطني آمنا في دراه، مساويا لجاره، ويستغل زرعه، ويستدر ضرعه، وتلتمسون أن يكون غريبا في آله، مصادرا بماله، يطعم من يحرمه، ويؤمن من يروعه، ويحفظ من يضيعه1".
وكان أديب من ألد أعداء الأجانب، وإليك بعض نفثاته الحارة ضد صحيفة موالية للأجانب، وقد كانت تشيد بإلغائهم بعض الضرائب؛ لتمكن أقدامهم في احتلال مصر: "فهل خفي عن تلك الصحف أنه ليس من شفقة الصياد على الطير إلقاؤه الحب بين يديها؟ أوتعلم أن القائل بهمجية المصريين، المعتقد بانحطاط مدراكهم، لا يطعمهم هذه الفتات، إلا ليسهل على الإنجليز هضم قوتهم والتهام ثروتهم!.
كلا! إن الجرائد المصرية لا تجهل حقيقة الأمر، ولكنها لا تستطيع التصريح، علما بأن اللص العازم على سرقة الحقوق الوطنية يكره النور، فإذا حاولت إظهاره سارع إلى إطفائه بتعطيلها وإلغائها.
يا أهل مصر:
إني محدثكم حديثا غريبا: إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم أسخاءكم، وأموركم شورى بينكم، فظهرالأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وإغنياؤكم بخلاءكم, وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها".
صفحه ۹۳