ثم اضهد "سعد" من بطريك المورانة، وسيم ألوانا من العذاب، لتغيير # مذهبه الماروني إلى المذهب الإنجيلي، حتى مات بأحد الأديرة, وهو في عنفوان شبابه, فأثر موته على فارس، وحز في نفسه، فكره الإقامة ببلاد الشام، وأعلن سخطه على المارون، فجدوا في أثره لينكلوا به، بيد أنه لجأ إلى المبشرين الأمريكيين ببيروت، فأحسنوا مقدمه، وبعثوا به إلى مصر ليعلم أعضاء بعثتهم فيها اللغة العربية.
وفي مصر, تعرف على الشيخ محمد شهاب, محرر الوقائع المصرية, فلازمه وقرأ عليه طائفة من كتب اللغة والأدب، وقرأ على غيره كتبا في المنطق والنحو, حتى تمكن من سائر علوم العربية، وتقرب من كبار علماء مصر، ومن معية الخديوي، ثم أفسح له مجال الكتابة في الوقائع، فأخذ يدبج فيها المقالات الممتازة بأسلوب جديد لم يألفه المصريون من قبل، وهو الأسلوب المرسل الرصين، ثم أسند إليه تحرير الوقائع مدة.
وبعد ذلك سافر إلى "مالطة" سنة 1834, بدعوة من الأمريكان، ليعلم في مدراسهم هنالك، فمكث بها أربعة عشر عاما، عكف في أثنائها على التدريس، والتأليف، ونشر الكتب وتصحيحها، إلى أن طلبته جمعية ترجمة "التوراة" بلندن؛ ليساعد في التعريب والضبط والتنقيح، فسافر إليها سنة 1848، وأقام بها مدة مكنته من تعلم اللغة الإنجليزية, وتعرف أحوال الإنجليز وبلادهم معرفة دقيقة، ثم سافر إلى باريس بعد أن نال الحماية البريطانية، وتجنس بالجنسية الإنجليزية.
وقد سجل رحلته إلى أوربا في كتابه "كشف المخبا عن أحوال أوربا", وقد ألف في أثناء مقامه بأوربا كتابه "الساق على الساق فيما هو الفارياق" والفارياق لفظ متقطع من "فارس الشدياق".
ولما زار باي تونس باريس، ووزع في فرنسا كثيرا من الأموال على الفقراء, مدحه الشدياق بقصيدة طويلة حببته إليه, فاستدعاه للإقامة معه بتونس، وكان قد مدح السلطان عبد المجيد كذلك بقصيدة طويلة حسنت لديه، فاستدعاه للآستانة، ولكنه فضل الذهاب إلى تونس أولا، فأرسل إليه "الباي" باخرة حربية لحضوره عليها.
صفحه ۷۷