ولا تزال دار العلوم تقوم بنصيبها الوفير في نهضة التعليم واللغة، وتعتمد عليها جامعتا القاهرة والإسكندرية وعين شمس في دارسة الآداب والنصوص وقواعد اللغة، وما زال بنوها في الطليعة من الكتاب والمؤلفين, يجارون بتأليفهم تيار النهضة الحديثة، ويمشون مع الزمن خطوة خطوة، وقد تخرج على أيديهم زعماء النهضة في كل ميادين الحياة.
وفي عهد إسماعيل, أنشئت أول مدرسة للبنات، وذلك في سنة 1873, حيث أسست السيدة "جشم آفت هانم" ثالثة زوجات إسماعيل, مدرسة السيوفية، وكان بها حين افتتاحها مائتا تلميذة، وبلغ عددهن في السنة الثالثة أربعمائة تلميذة, يتعلمن بالمجان, فضلا عن القيام بمأكلهن وملبسهن، وكن يتعلمن القراءة والكتابة ويحفظن القرآن الكريم، ويدرسن الحساب والجغرافيا والتاريخ والتطريز والنسيج.
وقبل مدرسة السوفية كانت البلاد خلوا من مدرسة للبنات, إلا مدرسة للولادة، ولم يشغها إلا البنات الحبشيات، واستنكف المصريات من دخولها، ومدرسة إنجليزية أسستها مس "وتلي" سنة 1806, وقد نجحت بعد عشر سنوات من الجهاد, في جذب كثير من الفتيات المصريات إليها، وكذلك كان الجهل متخذا من رؤوس فتيات مصر ونسائها أعشاشا، إلا من حرص أهلها على تعلميها في البيت، وقليل ما هن.
وقد خطا تعليم البنات منذ مدرسة السيوفية خطوات واسعة في مصر، وتعددت ألوانه ومدارسه، وزاحمت الفتاة الفتى في الجامعة، واقتحمت الكليات المستعصية، ولست هنا في مقام النقد، ومناقشة طريقة تعليم الفتيات ذلك التعليم النظري، ومنافسة البنين في كل شيء, ولكن مما لا شك فيه أن تعليم المرأة ونهوضها دعامة متينة في النهضة الاجتماعية والأدبية، والأم المتعلمة تربأ بابنها أن يكون فريسة الجهل، وتسعى في جهدها أن تنيله حظا مهما كان يسيرا من نور العلم.
صفحه ۷۱