4-
الأدب في عهد محمد علي
:
لا نستطيع أن نقول أن الأدباء الذين ظهروا في عهد محمد علي هم أثر النهضة العلمية في عصره، ولكنهم ولا شك أفادوا منها، مع أنهم من آثار العصر السابق، اطلعوا في عصر محمد علي على أشياء كثيرة لم يروها من قبل، وأحاطت بهم نهضة شاملة، مع ذلك, فقد كانوا مكبلين بقيود الألفاظ والزخارف في كتبابتهم وشعرهم إلا القليل، ومن هؤلاء:
1- الشيخ حسن العطار1:
من أسرة مغربية, نزحت إلى القاهرة, فولد بها سنة 1180ه 1866م، وكان أبوه عطارا، فتبع أباه في تجارته أول الأمر, ولكن الله قد أودع قلبه حب الأدب والعلم، فلم يضن عليه والده بالمساعدة على تحصيلها، وجد الولد، وحصل منهما الشيء الكثير، ووعى ما حصل، وتتلمذ على أكابر علماء عصره؛ كالشيخ الأمير والشيخ الصبان.
وفي أيامه دخل الفرنسيون، فاتصل بهم, وأفاد منهم بعض الفنون الشائعة ببلادهم, وعلم بعضهم اللغة العربية، ثم ارتحل إلى الشام، وسكن دمشق زمنا.
وتجول في بلاد كثيرة يفيد ويستفيد، ثم آب إلى مصر، فأقر له علماؤها بالفضل، وعهد إليه بتحرير الوقائع المصرية، ثم تولى التدريس بالأزهر، ثم صار شيخا له بعد الشيخ العروسي سنة 1246, فأحسن إدراته, وظل في منصبه إلى أن توفي سنة 1250ه- 1835م, وكان محمد علي يجله ويكرمه لما امتاز به من التفوق في العلوم العصرية والأدبية وفنونها, ويقول عنه تلميذه رفاعة الطهطاوي في كتابه "مباهج الآدب المصرية": "كانت له مشاركة في كثير من هذه العلوم الجغرافية، فقد وجدت بخطه هوامش جليلة على كتاب تقويم البلدان, لإسماعيل أبي الفداء سطان حماة.. وله هوامش أيضا وجدتها بأكثر التواريخ على طبقات الأطباء وغيرها، وكان يطلع دائما على الكتب المعربة من تواريخ على طبقات الأطباء وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية"2".
وقد خلف عدة مؤلفات في النحو والبيان والمنطق والطب, وله في البلاغة حاشية على السمرقندية, وله كتاب في الإنشاء والمرسلات, طبع مرارا بمصر، وجمع ديوان ابن سهل الإشبيلي وبوبه, وكان على إلمام بعلم الفلك، وله رسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب، وكان يحسن عمل المزاول الليلية والنهارية, وقد اشتهر بالأدب والشعر.
وكان صديقا للسيد إسماعيل الخشاب، واستمرت صحبتهما بعد عودة الشيخ العطار من الشام -حتى كانا يبيتان معا- إلى أن مات الخشاب، وللعطار ديوان شعر، وروى له الجبرتي كثيرا، وكان على صلة بكثير من أدباء عصره، ومنهم المعلم بطرس كرامة اللبناني, وقد قال فيه كرامة لما لقيه بمصر:
قد كنت أسمع عنكم كل نادرة ... حتى رأيتك يا سؤلي ويا أربي
والله ما سمعت أذني بما نظرت ... لديك عيناني من فضل ومن أدب # ومن نثر الشيخ العطار:
صفحه ۴۶