وجاء في كتابه: "لقد أخذنا العجب في درج مثل هذه الحوادث القبيحة، فإذا علمتم ذلك فعليكم من الآن فصاعدا أن تدرجوا الحوادث اللائقة بالنشر, وتتجنبوا نشر ما لا يليق نشره، وأن تلاحظوا ذلك بكل تدقيق واهتمام؛ لأنه من مقتضى ذمة خدمتكم، ومطلوبي أن تكونوا بعدئذ على انتباه وبصيرة"1.
وقد حرص محمد علي على أن يرى مسودات الجريدة، ويبدي فيها رأيه قبل أن تنشر2، وبذا كان محمد علي أول صحفي بمصر، وكانت مهمته أشبه بمهمة رئيس التحرير في الجرائد اليومية اليوم، فكان يشير بالمقالات، ويحذف ما لا يراه لائقا بكرامة الصحيفة، ولا يبخل عليها بمال أو رجال، ويأمر أن يلي أمر طبعها عمال مهرة لا تشوب كفايتهم شائبة.
وقد تعاقب على تحريرها منذ ذلك الوقت نخبة من كبار الأدباء منهم: مختار بك, مدير المدارس في عهد محمد علي، وبغوص بك, موضع ثقته في المسائل العليا، وأحمد فارس الشدياق, والسيد شهاب الدين, صاحب السفينة، والشيخ رفاعة الطهطاوي، والشيخ محمد عبده, والشيخ أحمد عبد الرحيم, والشيخ عبد الكريم سلمان, وغيرهم.
وقد تعطلت الوقائع بعد محمد علي, ما بين 1849- 1863، ولم تصدر جريدة غيرها، وذلك راجع إلى عزوف عباس وسعيد عن النهضة ووسائلها, ولكنها استأنفت حياتها في عهد إسماعيل.
تعقيب:
كانت نهضة محمد علي -كما رأينا من كل ما تقدم- علمية حربية، ولم يلتفت للأدب أدنى التفاتة، وذلك لأنه لم يكن بحاجة للأدب كحاجته لجيش قوي يدعم به عرشه، ويؤسس دولته، ويدافع به عن نفسه.
صفحه ۴۳