وكانت المدرسة كلية تدرس فيها آداب العربية، واللغات الأجنبية, وخاصة الفرنسية والتركية والفارسية، ثم الإيطالية والإنجليزية، وعلوم التاريخ، والجغرافية، والشريعة الإسلامية, والشرائع الأجنبية، فكانت أسبه شيء بكلية للآداب والحقوق مجتمعتين, وكان نهج المدرسة علميا ومفيدا، فلم يكن دروسا تكتب في دفاتر وتهمل، بل يمرن الطلبة على الترجمة في كتب نافعة، فإذا استغلقت عليهم جملة لجئوا إلى شيخهم يذللها لهم، ثم عرضوا ما ترجموا على أستاذ اللغة العربية يصحح لهم لغتهم، وخاصة الشيخ محمد قطة العدوي، فقد كان ساعده الأيمن في هذه المدرسة، لما رزقه من موهبة جليلة في التدريس بلغة سهلة، وعبارة فصيحة, وقدرة على تصحيح عبارات الطلبة فيما يترجمون، فإذا # أتموا الكتاب, أو الكتب, روجعت, ثم قدمت إلى المطبعة لتطبع، فتكون أثرا خالدا1.
وأحيل على رفاعة بك مع إدارة المدرسة إدارة عدة معاهد: المدرسة التجهيزية، ومعهد الفقه والشريعة الإسلامية، ومعهد المحاسبة، ومدرسة الإدارة الإفرنجية، والتفتيش على مدارس الأقاليم، وتحرير الوقائع المصرية، وبعد سنوات تخرجت الدفعة الأولى في مدرسة الألسن؛ فتلقفتهم مصالح الدولة المختلفة, وابتدءوا يفيضون وأستاذهم على مصر من بحور الغرب وكنوز ثقافته, ما كان دعامة لنهضتنا الحالية.
ظل الشيخ سبعة عشرا عاما وهو دائب في عمله لا يمل ولا يكل، وفي كل آونة يضاف إليه عمل جديد يتقبله بصدر رحب وعزيمة قوية، وكلما زاد اجتهاده ونتاجه زاده أولو الأمر مكافأة وتقديرا؛ فمنحه محمد عأتموا الكتاب, أو الكتب, روجعت, ثم قدمت إلى المطبعة لتطبع، فتكون أثرا خالدا1.
وأحيل على رفاعة بك مع إدارة المدرسة إدارة عدة معاهد: المدرسة التجهيزية، ومعهد الفقه والشريعة الإسلامية، ومعهد المحاسبة، ومدرسة الإدارة الإفرنجية، والتفتيش على مدارس الأقاليم، وتحرير الوقائع المصرية، وبعد سنوات تخرجت الدفعة الأولى في مدرسة الألسن؛ فتلقفتهم مصالح الدولة المختلفة, وابتدءوا يفيضون وأستاذهم على مصر من بحور الغرب وكنوز ثقافته, ما كان دعامة لنهضتنا الحالية.
ظل الشيخ سبعة عشرا عاما وهو دائب في عمله لا يمل ولا يكل، وفي كل آونة يضاف إليه عمل جديد يتقبله بصدر رحب وعزيمة قوية، وكلما زاد اجتهاده ونتاجه زاده أولو الأمر مكافأة وتقديرا؛ فمنحه محمد علي رتبة "أميرالاي" و 1300 قرش في الشهر، و350 فدانا في طهطا, ولكن الدنيا لا تدوم على حال، فما أن مات محمد علي، وتولى عباس الأول الحكم, حتى أغلق المدارس جميعها إلا القليل، وألغى مدرسة الألسن والشيخ رفاعة معها، بحجة الاقتصاد في النفقات، ولأن حاشية السوء لما رأت ميل الوالي إلى محاربة التعليم والعلماء خاضوا في الشيخ رفاعة وطريقته, ورموه بالعقم، فنفاه عباس الأول إلى السودان تحت ستار إنشاء مدرسة ابتدائية هناك, وتعيينه ناظرا لها، ومعه طائفة من أكابر العلماء.
ولم تكن الخرطوم كما هي اليوم في نظافتها ومبانيها، وتوفر وسائل العيش بها، وإنما كانت مدينة صغيرة تصعب الحياة فيها على من ألف حياة باريس والقاهرة، وعلى كل من يشرف على التعليم كله بمصر، فإذا هو يشرف على مدرسة ابتدائية صغيرة بالخرطوم.
صفحه ۳۰