الأسفار تقتضي النفقات، ولم يكن في الخزينة اللبنانية ما يقوم بها، فجاء الأمير أمين أرسلان، صديق العرب واللبنانيين الأحرار، ليسعى في هذا السبيل. قال سليمان كنعان، أحد أعضاء المجلس، للأمير أمين: «لا نستطيع أن نجمع مالا كافيا للسفر.» فقال الأمير: «أنا أتكفل بذلك.» وبعد قليل جاءهم بخمسة آلاف أخرى عندما يجتازون حدود لبنان، وها نحن في دور التمويه الذي أفسد على الأعضاء عملهم، المال الذي جاء به الأمير أمين بمؤازرة نوري السعيد هو من الملك فيصل لا من عارف النعماني، ولكن السند الذي كتبه سليمان كنعان بالقيمة كلها هو لأمر النعماني وبكفالة الأمير أمين. فحبذا لو كان السند صادقا فيكون المال من أحد تجار الأمة الذي يشارك الأعضاء في عقيدتهم السياسية ويود نجاح مسعاهم، ولكن المال من الملك فيصل، وهذه حجة الفرنسيين في الرشوة.
قال سليمان كنعان للأمير أمين: «بشرط ألا نمر بالشام ولا نقابل الملك فيصلا.» وكأني بالأمير اللطيف الحاذق يقول: تأخذون ماله ولا «تميلون» للسلام! فاتفقوا أن يسافروا إلى حيفا ويرسلوا من قبلهم اثنين أو ثلاثة إلى الشام للسلام والمفاوضة. ولكن الأقدار تدخلت؛ فقد أوقفتهم السلطة الفرنسية قبل أن يجتازوا الحدود، وعادت بهم مخفورين إلى بيروت؛ حيث حوكموا أمام مجلس عسكري فرنسي، فجرمتهم المحكمة ونفتهم الحكومة إلى جزيرة أرواد ثم إلى جزيرة كورسيكا.
بعد أن ألقي القبض على أعضاء مجلس الإدارة بأربعة أيام، أي في 14 تموز سنة 1920، أرسل الجنرال غورو بلاغه النهائي إلى الملك فيصل، ومطلعه هذه الكلمات: «بينما كانت السكينة سائدة في سوريا أثناء الاحتلال البريطاني، ابتدأ الفساد يوم حلت جيوشنا محل الجيوش البريطانية، ولا يزال آخذا بازدياد منذ ذاك الوقت.»
2
هي الحقيقة بعينها، ابتدأ الفساد يوم حلت جيوش الفرنسيين محل الجيوش البريطانية؛ فقد كانت الجيوش الفرنسية إما عاجزة وإما مهملة؛ أما العجز فينفيه الحزم الذي أبدته هذه الجيوش بعد البلاغ النهائي، وأما الإهمال فقد يكون ناتجا عن قصد سياسي هو رغبتهم في الاستيلاء على المدن الأربع التي تعهدت فرنسا لبريطانيا ألا تحتلها.
أما بلاغ الجنرال غورو فتقسم الاحتجاجات فيه إلى خمسة أقسام:
أولا: «الأعمال الموجهة إلى حكومة الاحتلال الفرنسية»؛ وفيه ذكر الحوادث المفجعة التي كانت العصابات سببها، وأن حكومة دمشق قد قابلت القائمين بتنظيمها بالحفاوة والإكرام، «ونخص بالذكر منهم صبحي بركات الذي أصبحت عدواته لنا أشهر من نار على علم.»
ثانيا: «سياسة حكومة دمشق العدائية»؛ وهي تنحصر، على ما يظهر، من البلاغ بتعيين رجال في الحكومة «معروفين بعدائهم لفرنسا.»
ثالثا: «التدابير الإدارية ضد فرنسا»؛ وأهمها ما يتعلق برفض التداول بعملة البنك السوري.
رابعا: «الأعمال العدائية الموجهة لفرنسا رأسا»؛ وفيه ذكر بعض الذين أهينوا في المنطقة الشرقية لأنهم أصدقاء فرنسا، والذين احترموا لأنهم أعداؤها؛ ومنهم الدنادشة وكامل الأسعد ثم أعضاء مجلس إدارة لبنان.
صفحه نامشخص