Sergei Rachmaninoff (1873-1943م)، فقد وفد إلى أمريكا بعد الثورة الروسية. وقد كتب موسيقاه في قالب الكلاسيكيين، وسادتها النزعة الذاتية الغنائية عند الرومانتيكيين. وعلى الرغم من أن حياته اقتربت من أواسط القرن العشرين، فإنه لم يبد رغبة متحمسة في الأخذ بالتجديدات الموسيقية أو المذاهب المالية الحديثة؛ إذ إن ما أراد التعبير عنه لم يكن يتصف بالأصالة التي تكفي لحفزه إلى التماس وسائل جديدة في التعبير.
وأخيرا، فإن الموسيقي الروسي، وكذلك الموسيقي في مختلف البلدان التي تحدثنا عنها في هذا القسم، كان على وجه العموم يخلق موسيقاه في جو من الحرية الفنية التي كان أسلافه خليقين بأن يحسدوه عليها. وفي الوقت الذي ظل فيه الفلاسفة يعرفون طبيعة الموسيقى ومعناها بمذاهبهم العقلية المنظمة، نجد الموسيقي في العصر الرومانتيكي قد ظل سائرا في طريقه الحر الطليق يكتب من الموسيقى ما يلائم حاجاته وأحواله النفسية.
الفصل الثامن
الفلسفات الموسيقية في عصرنا الحاضر
القسم الأول: الأصداء الأفلاطونية في العالم الحديث
قال الفيلسوف ألفرد نورث هوايتهد
A. N. Whitehead (1861-1947م): إن تطور الفلسفة الغربية كان إلى حد بعيد مسألة إضافة هوامش وحواش إلى أفلاطون. وبالمثل كان التفكير الجمالي في الموسيقى في الحضارة الغربية تنويعا على النغمة الأفلاطونية الأصلية، مع زخارف أرسططالية؛ ذلك لأن الآراء الموسيقية التي أبداها أفلاطون في محاورتي «الجمهورية» و«القوانين» قد ظلت على الدوام هي المعتقدات الجمالية التي كانت الكنيسة والدولة تقدران على أساسها فلسفاتها الموسيقية طوال العصور في العالم الغربي. ومن المؤكد أن هناك تشابها قاطعا في المفاهيم الموسيقية بين الفلسفات القديمة والوسيطة والحديثة للمذاهب الدينية ونظم الحكم السياسية المتسلطة، وكذلك نظم الحكم الديمقراطية، ولكن إلى حد أقل؛ ففي الكنيسة الكاثوليكية لا تزال فلسفة أفلاطون الجمالية في الموسيقى سائدة حتى يومنا هذا، وخير شاهد على ذلك فتوى البابا بيوس العاشر عن الموسيقى الدينية (1903م).
1
ففي هذه الوثيقة المشهورة، المتعلقة بالوظيفة الصحيحة للموسيقى من حيث هي جزء مكمل للطقوس الدينية الرسمية لمذهب الكنيسة إلى أن الوظيفة الرئيسية للموسيقى الدينية هي تجميل النص، وتأكيد الكلم المقدس؛ فالمهمة الكبرى للموسيقى الدينية «هي أن تكسو النص الشعائري الذي يراد للمؤمن أن يفهمه برداء لحني مناسب، وهدفها الصحيح هو زيادة فعالية النص حتى يتسنى له أن يحرك في نفس المؤمن مشاعر التقوى بمزيد من اليسر ...»
2
صفحه نامشخص