فيلسوف العرب والمعلم الثاني
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
ژانرها
12
ورويت للفارابي أشعار يجري فيها من المعاني مثل ما يجري في شعر المتنبي.
وأحسب أن ما أورده الحاتمي في رسالته من الأقاويل المنسوبة إلى أرسطو التي وافقها المتنبي قد يكون معظمها من كلام الفارابي، فإن الحاتمي لم يبين لنا مواقعها من كتب أرسطو، وإذا لم تكن من كلام الفارابي فقد تكون وصلت إلى المتنبي من كتب الفارابي؛ فقد ذكر المؤرخون أن له كتابا اسمه «فصول مجموعة من كلام القدماء»، وهو لم يصل إلينا بعد.
ويقول كارا دو فو في كتابه «مفكرو الإسلام»:
لم يسترع انتباهي عندما ذكرت الفارابي في كتابي في ابن سينا بضع صفحات توجد في رسالة أهل المدينة الفاضلة، على أن تلك الصفحات جديرة بأن تسترعي النظر، وليست هي تلك التي يصف فيها الفارابي المدينة الكاملة؛ بل هي في فصل يحاول فيه الفارابي أن يصف المدن الناقصة، في ذلك الفصل آراء في عمل القهر والقوة في الجماعة وفي التدافع من أجل الحياة وفي الحقد مبسوطة في كثير من القوة حتى نتدانى على وجه عجيب بعض أفكار الفيلسوف نيتشه الحديثة جدا.
13
والآراء التي يشير إليها كارا دو فو هي ما جاءت في كتاب الفارابي «آراء أهل المدينة الفاضلة»، ونصه:
والمدن الجاهلة والضالة إنما تحدث متى كانت الملة مبنية على بعض الآراء القديمة الفاسدة. منها أن قوما قالوا: إنا نرى الموجودات التي نشاهدها متضادة، وكل واحد منها يلتمس إبطال الآخر، ونرى كل واحد منها إذا حصل موجودا، أعطى مع وجوده شيئا يحفظ به وجوده من البطلان، وشيئا يدفع به عن ذاته فعل ضده، ويجوز به ذاته عن ضده، وشيئا يبطل به ضده ويفعل به جسما شبيها به في النوع، وشيئا يقتدر به على أن يستخدم سائر الأشياء فيما هو نافع في أفضل وجوده وفي دوام وجوده.
وفي كثير منها جعل له ما يقهر به كل ما يمتنع عليه، وجعل كل ضد من كل ضد ومن كل ما سواه بهذه الحال ؛ حتى تخيل لنا أن كل واحد منها هو الذي قصدوا أن يجاز له وحده أفضل الوجود دون غيره؛ فلذلك جعل له كل ما يبطل به كل ما كان ضارا له وغير نافع له ، وجعل له ما يستخدم به ما ينفعه في وجوده الأفضل. فإنا نرى كثيرا من الحيوان يثب على كثير من باقيها فيلتمس إفسادها وإبطالها، من غير أن ينتفع بشيء من ذلك نفعا: يظهر كأنه قد طبع على أن لا يكون موجود في العالم غيره، أو أن وجود كل ما سواه ضار له، على أن يجعل وجود غيره ضارا له، وإن لم يكن منه شيء آخر على أنه موجود فقط، ثم إن كل واحد منهما إن لم يرم ذلك التمس أن يستعبد غيره فيما ينفعه، وجعل كل نوع من كل نوع بهذه الحال، وفي كثير منها جعل كل شخص من كل شخص في نوعه بهذه الحال. ثم جعلت هذه الموجودات أن تتغالب وتتهارب، فالأقهر منها لما سواه يكون أتم وجودا. والغالب أبدا إما أن يبطل بعضا؛ لأن في طباعه أن وجود ذلك الشيء نقص ومضرة في وجوده هو؛ وإما أن يستخدم بعضا ويستعبده؛ لأنه يرى في ذلك الشيء أن وجوده لأجله هو ...
فقال قوم بعد ذلك: إن هذه الحال طبيعة الموجودات، وهذه فطرتها والتي تفعلها الأجسام الطبيعية بطبائعها هي التي ينبغي أن تفعلها الحيوانات المختارة باختياراتها، والمروية برويتها ... وإن الإنسان الأقهر لكل ما يناويه هو الأسعد ...
صفحه نامشخص