فبحق قال «جوهر الصقلي» لما دخل مصر وذكرت له أخباره: «لو أدركته لأهديته إلى مولانا المعز في جملة الهدية».
وبحق لما سمع به «فاتك» ممدوح المتنبي قال: «ذكروني به لعلي أستدعيه فإنه نزهة».
القلب
رمتني آنسة «بأن لا قلب لي، وإن كان فليس يخفق»؛ لأني كتبت موضوعا في مجلة الرسالة عنوانه «أدب القوة وأدب الضعف» سميت فيه الأدب الذي يضعف النفس ويمرض العاطفة أدبا ضعيفا مائعا.
لك الله يا آنسة! أفتدرين أن أشنع سبة يسب بها الإنسان: أنه لا قلب له؟ وهل المرء إلا قلبه؟
ليس الإنسان جسما بعضه القلب، لكنه قلب غلافه الجسم.
لقد قالوا: «إن المرء بأصغريه قلبه ولسانه»، ولكنهم - بقولهم - قد رفعوا شأن اللسان إذ قرنوه بالقلب، ووضعوا من قيمة القلب إذ قرنوه باللسان. وهل اللسان إلا حاك بكئ لأحط حركات القلب وانفعالاته؟ وكيف يعبر المحدث عن القديم؟ أم كيف يحيط المحدود باللامحدود؟ وأين يقع معجم اللغة من معجم العالم.
إن القلب يقرأ ما رسمه الله على السماء والأرض من أشعار، ولا يسمح منها للسان إلا بالقليل التافه، وما الشعر الملفوظ بجانب الشعر المحسوس؟
القلب لا يكذب أبدا واللسان لا يصدق إلا قليلا.
لعلك يا آنسة إن فتشت عن أعجب ما خلق الله في السماء وفي الأرض لم تجدي أعجب ولا أروع ولا أدق ولا أجمل من قلب الإنسان - تصلح أوتاره فيفيض رحمة وشفقة وحبا وحنانا، ومعاني لطافا وشعورا رقيقا، حتى يتجاوز في سموه الملائكة المقربين؛ وتفسد أوتاره فينضج قسوة وسوءا حتى يهوي إلى أسفل سافلين.
صفحه نامشخص