ذو الرأي يخضع للظالم وللقوي؛ لأنه يرى أن للظالم والقوي رأيا كرأيه، ولكن ذا العقيدة يأبى الضيم ويمقت الظلم؛ لأنه يؤمن أن ما يعتقده من عدل وإباء هو الحق، ولا حق غيره.
من العقيدة ينبثق نور باطني يضيء جوانب النفس، ويبعث فيها القوة والحياة، يستعذب صاحبها العذاب، ويستصغر العظائم، ويستخف بالأهوال؛ وما المصلحون الصادقون في كل أمة إلا أصحاب العقائد فيها.
الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات، ويصغي لأماني الجسد، ويثير الشبهات، ويبعث على التردد؛ والعقيدة تقتحم الأخطار، وتزلزل الجبال، وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ، وتنسف الشك والتردد؛ وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لمراد الروح.
ليس ينقص الشرق لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة؛ فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه وحال حاله ، وأصبح شيئا آخر.
وبعد ، فهل حرم الإيمان مهبط الإيمان؟
الكيف لا الكم
روي أن ابن «سينا» كان يسأل الله أن يهبه حياة عريضة وإن لم تكن طويلة؛ ولعله يعني بالحياة العريضة حياة غنية بالتفكير والإنتاج؛ ويرى أن هذا هو المقياس الصحيح للحياة؛ وليس مقياسها طولها إذا كان الطول في غير إنتاج؛ فكثير من الناس ليست حياتهم إلا يوما واحدا متكررا، برنامجهم في الحياة: أكل وشرب ونوم؛ أمسهم كيومهم، ويومهم كغدهم؛ هؤلاء إن عمروا مائة عام فابن سينا يقدره بيوم واحد؛ على حين أنه قد يقدر يوما واحدا - طوله أربع وعشرون ساعة - بعشرات السنين إذا كان عريضا في منتهى العرض؛ فقد يوفق المفكر في يومه على فكرة تسعد الناس أجيالا، أو إلى عمل يسعد آلافا؛ فحياة هذا - وإن قصرت - تساوي أعمار آلاف، بل قد تساوي عمر أمة؛ لأن العبرة بالكيف لا بالكم.
وليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
ولعل ساعة اجتمع فيها أقطاب الأمم الأربعة، فانتهوا فيها إلى السلم، وأنقذوا أرواح الملايين من البشر، ومنعوا من الكوارث ما لا يعلم هوله إلا الله، خير آلاف آلاف من سنين صرفت في التسلح وما إليه.
صفحه نامشخص