تعلیقه بر فوائد رضویه

القاضی سعید قمی d. 1107 AH

تعلیقه بر فوائد رضویه

التعليقة على الفوائد الرضوية

[مقدمة المؤلف]

صفحه ۳۷

الحمد لله الواحد (1) المتوحد، والفرد المتفرد، الذي توحد بالتوحيد في

صفحه ۳۸

توحده، وتفرد بالتفريد (1) في تفرده، انبجست (2) منه الكثرات بجملتها

~~لوحدته، وابتدأت منه الموجودات (3) برمتها (4) لفرديته، سبحانه وتعالى في

~~كبرياء تقدسه، والصلاة على نبي الرحمة، ومجمع بحري الوحدة والكثرة إنسان

~~العين، وعين الإنسان، والعالم بالبيان، محمد المبعوث على الإنس والجان (5)

~~والمنعوت بنعوت الفرقان، والموصوف بأن خلقه القرآن (6) وعلى وصيه الذي تشعب

~~منه أولاد النبي، وتأحد معه في سيره الأنواري بالنص الجلي (7) وعلى آله

~~الذين هم تقاسيم وجود النبي والولي، وهم أولياء الرحمن، والمقصود من إيجاد

~~الأكوان (8) ما جرى الجاري على الجامدات، وفضل الزائد على الناقصات.

أما بعد: فالفقير إلى الله الغني، والمتمسك بحبل النبي الأمي، محمد

~~المشتهر بسعيد الشريف القمي يقول: إن الحكمة كل الحكمة، ما ورد في الكتاب

~~والسنة، والعلم حق العلم ما صدر عن مدينة العلم (9) وإن في أخبار الأئمة

~~الطاهرين لبلاغا لقوم عابدين، إن في ذلك لذكرى للعالمين، كيف لا؟

صفحه ۳۹

وهم عليهم السلام أهل بيت الحكمة، ومعدن الوحي والرسالة (1) (فالكليم

~~البس حلة الاصطفاء لما شاهدوا منه الوفاء، وجبرئيل في جنان الصاغورة (2)

~~ذاق من حدائقهم الباكورة) (3) وأنى يكون لغيرهم، وفيهم الإمام المبين، وقال

~~عز من قائل:

* (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) * (4).

ثم إن في الخبر الذي رواه أصحابنا، ودار في ألسنة إخواننا رضوان الله

~~عليهم، وأثبتوه في دفاترهم، من سؤال رأس الجالوت مولانا أبا الحسن الرضا

~~عليه السلام، وما أجابه الإمام عليه السلام لحكمة بالغة لا تبلغها أيدي

~~الخائضين في الحكمة المتعالية، فضلا عن الفلسفة الرسمية، وأسرار رائقة لا

~~يكاد ينالها إلا من أتى البيوت من أبوابها، وأنوار بارقة لا يستنير بأشعتها

~~الشارقة إلا من اقتبس من مشكاة الولاية الفائقة.

وإني بعد ما نصفت السبعين، وكنت في عشر الأربعين، اطلعت على هذه الرواية،

~~واستسعدت بتلك الزيارة، فوجدتها عذراء لم يطمثها قبل ذلك الأوان إنس ولا

~~جان، بل لم يخطبها الفحول ولا الفتيان، وكيف لهم من ذلك، وإنها لمن أهل بيت

~~النبوة، ولم يكافئها أحد من الأمة ، اللهم إلا من آجر نفسه ثماني حجج من

~~اثنتي عشر من الحجج، وتقلد بالتابعية المحضة، وفاز بالمحبوبية الكاملة، حتى

~~يكون الله سبحانه سمعه وبصره وعقله، فيسمع بسمعه، ويبصر ببصره، ويعقل بعقله

~~(5) إذ لا يحمل عطاياهم إلا

صفحه ۴۰

مطاياهم، ولا يعلم ما في الدار إلا محارم الأسرار.

وهذا المسكين وإن كان قليل البضاعة في هذه التجارة، ولم يسعد لتلك

~~الإجارة، إلا أن الكريم لا ينظر إلى البضاعة ونفاقها (1) ويبتدئ بالنعم قبل

~~استحقاقها، فلقد أتى علي حين من الدهر لم أكن متفحصا لآثارهم، خادما

~~لأخبارهم، راصدا لأسرارهم، سائرا في أنوارهم، حتى أتاني في مبشرة نومية أمر

~~من جنابهم بالنظر في خطابهم، فقمت بمأمورهم، حتى فتح الله بصيرتي بسرورهم،

~~وشرح صدري بنورهم، وزاد في يقيني بأمورهم، ولعمر الحبيب إن أمرهم صعب

~~مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن ممتحن قلبه للإيمان

~~عند الرب (2).

فمن تلك الفتوحات ما ألهمت من شرح هذا الحديث العويص شرحا لا يحيف عن

~~الحق ولا يحيص (3) وليس ذلك إلا من اقتباس نورهم، بل هو جذوة (4) من قبسات

~~طورهم، وما أقول إلا ما القي في الروع، ومن الله المعونة في البدء والرجوع،

~~وهو حسبي ونعم الوكيل، وعلى الله قصد السبيل ولنسم تلك المقالة ب "

~~الفوائد الرضوية " ونرتبها على مقدمة وثلاث فوائد وخاتمة، مستعينا بالله في

~~الأولى والآخرة.

صفحه ۴۱

ذكر الخبر وتوضيح ألفاظه

صفحه ۴۳

روى أصحابنا رضوان الله عليهم: أنه سأل رأس الجالوت الرضا عليه التحية

~~والثناء بأن قال: يا مولاي، ما الكفر والإيمان، وما الكفران، وما الجنة

~~والنيران، وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان، وقد نطق كلام الرحمن بما

~~قلت، حيث قال في سورة الرحمن: * (خلق الإنسان علمه البيان) * (1).

فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه لم يحر جوابا، ونكت بأصبعه الأرض،

~~وأطرق مليا، فلما رأى رأس الجالوت سكوته عليه السلام حمله على عيه (2)

~~وشجعته نفسه لسؤال آخر.

فقال: يا رئيس المسلمين، ما الواحد المتكثر، والمتكثر المتوحد، والموجد

~~الموجد، والجاري المنجمد، والناقص الزائد؟

فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه، ورأى تسويل نفسه له، قال: (أيش تقول

~~يا بن أبيه، وممن تقول، ولمن تقول؟! بينا أنت أنت صرنا نحن نحن، فهذا جواب

~~موجز.

وأما الجواب المفصل فأقول: إعلم إن كنت الداري والحمد لله الباري: أن

~~الكفر كفران، كفر بالله وكفر بالشيطان، وهما السيان المقبولان المردودان،

~~أحدهما الجنة وللآخر النيران،

صفحه ۴۵

وهما اللذان المتفقان المختلفان، وهما المرجوان، ونص به الرحمن حيث قال:

~~* (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)

~~* (1) ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان، وبما قلنا ظهر جواب باقي (2)

~~سؤالاتك والحمد لله الرحمن، والصلاة على رسوله المبعوث إلى الإنس والجان،

~~ولعنة الله على الشيطان).

فلما سمع رأس الجالوت كلامه عليه السلام بهت وتحير وشهق شهقة، وقال: أشهد

~~أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك ولي الله، ووصي رسوله،

~~ومعدن علمه حقا حقا.

بيان ما لعله يحتاج إلى البيان رأس الجالوت: هو أكبر علماء اليهود، وقيل

~~قاضيهم (3).

ما الكفر والإيمان: الكفر لغة هو الستر والإخفاء، ومنه سمي الزارع والليل

~~ومن لبس ثوبا فوق درعه كافرا (4).

والكافر اصطلاحا: هو الذي لم يعتقد بوجود البارئ تعالى، أو بأحد صفاته

~~الحسنى، أو بواحد من أنبيائه (5) سمي بذلك لأنه إذا لم يعتقد ذلك فكأنه

~~أخفاه عن عالم الوجود بزعمه، وستره عن مرتبة الشهود باعتقاده.

والإيمان لغة: هو التصديق (6) وفي الشرع هو الاعتقاد بوجود البارئ جل

~~مجده، وبصفاته العليا كما يليق به تعالى، ووجود ملائكته المدبرة، وكتبه

صفحه ۴۶

~~المنزلة، ورسله المرسلة، وبما جاؤوا به من عنده، وعدم

~~التفريق بينهم (1) وسيجئ تحقيق الكفر وحقيقة الإيمان إن شاء الله الرحمن.

وما الكفران: هما الكفر بالله والكفر بالشيطان، كما سيأتي هذا التفصيل في

~~كلام إمام الإنس والجان عليه السلام.

وما الشيطانان: الشيطان إما من شاط إذا بطل، أو من شطن إذا بعد (2).

وبالجملة: الشيطان هنا هو ما سوى الله تعالى (3) أما على المعنى الأول:

فلأن جميع ما سوى الله باطل هالك، وأما على المعنى الثاني: فلأن ما عداه

~~باعتبار كونه سواه بعيد عنه جل وعلا ، ومن ذلك سمي كل عات متمرد من الإنس

~~والجن والدواب شيطانا (4).

* (خلق الإنسان) *: أي الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه، والبشر النوري

~~الذي هو أبو البشر بالحقيقة، وإن كان من أبناء آدم أبي البشر بحسب

صفحه ۴۷

~~الصورة، والعقل الذي هو النور المحمدي صلى الله عليه وآله، وقد دل على

~~ذلك:

النقل الصحيح (1) والكشف الصريح، بل العقل البرهاني المؤيد بالنور

~~السبحاني.

وفي رواية: (الإنسان هو أمير المؤمنين عليه السلام، علمه بيان كل شيء مما

~~يحتاج إليه الناس) (2) والمآل واحد، لأن نورهما واحد، بل هما واحد (3).

* (علمه البيان) *: عدم الفصل بالعاطف لأنه بيان للخلق، أي خلقه بمحض

~~تعقله نفسه، عز شأنه، بأن جعله مظهر معقولاته، ومستودع علمه، ومعدن

صفحه ۵۰

~~بياناته التي هي الجواهر العقلية، والأنوار الإلهية التي

~~صارت في تلك المرتبة المظهرية أسماء إلهية جمالية وجلالية (1) وبالحقيقة

~~جعله نفس ذلك العلم والبيان كما يراه أهل العرفان.

ويؤيد ما قلنا في معنى البيان ما ورد في الخبر أن: (البيان هو الاسم

~~الأعظم الذي علم به كل شيء) (2).

ثم استشهاد السائل بالآية الكريمة يحتمل وجهين:

الاحتمال الأول: أنه سبحانه خلق هذا الإنسان بأن علمه بيان كل شيء، بل هو

~~- أي ذلك الإنسان - بيان كل شيء، فيجب أن يجيب عن هذه

صفحه ۵۱

الأسئلة من هو من سنخ ذلك الإنسان، ويدعي أنه وصيه والخليفة من بعده،

~~والحافظ لعلومه وأسراره، ولهذا لما أجاب الإمام عليه السلام بما أجاب قال:

ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان، أي كما أن المجيب يجب أن يكون

صفحه ۵۲

~~من سنخ هذا الإنسان باعتبار النورية والبضعية ومن حيث

~~التأحد في المراتب النزولية والصعودية، كذلك الذي يفهم هذا الجواب يجب أن

~~يكون من سنخه ومن شيعته باعتبار التابعية.

والاحتمال الثاني: هو أن الذي طلبته من حقيقة الكفر والإيمان، وتحقيق

~~الجنة والنيران، وما الشيطانان، إنما هو كله في الإنسان، لا ينفلت منه شيء،

~~وهو مظهر تلك الأشياء، وبه تتحقق هذه الأسماء، لأن الله خلقه بأن جعله

~~الكتاب المبين، وقد قال جل من قائل: * (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)

~~* (1) فيجب أن يجيب على هذه الحقائق من يترقى إلى هذه الرقائق (2).

ويؤيد ما احتملنا ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (إن الصورة

~~الإنسانية أكبر حجة الله على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده، وهي الهيكل

~~الذي بناه بحكمته، وهي مجموع صور العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ،

~~وهي الشاهد على كل غائب، وهي الحجة على كل جاحد، وهي الطريق المستقيم إلى

~~كل خير، وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار) (3). صدق ولي الله.

لم يحر جوابا: أي لم يرد جوابا، يقال: كلمته فما أحار جوابا أي ما رده

~~(4).

نكت بأصبعه الأرض: أي ضرب به الأرض، كما يفعله المتفكر في شيء المتردد فيه

~~(5).

أطرق مليا: بتشديد الياء من غير همز أي سكت طائفة من الزمان (6) والمراد

~~هنا بعض الزمان، وإن كان أكثر ما يستعمل في الزمان الطويل (7)

صفحه ۵۳

ويمكن أن يكون الطول باعتبار زمان التخاطب وبحسب ما يتعارف الفصل بين

~~السؤال والجواب، فإذا تجاوز من ذلك الحد عد طويلا.

قال في " الكشاف " في قوله: * (واهجرني مليا) * (1): أي زمانا طويلا من

~~الملاوة مثلثة، وهي الحين والمدة من الزمان (2).

وقال " المطرزي " في " المغرب ": الملي الساعة الطويلة، عن " الجوزي "

~~(3) وعن " أبي علي " هو المتسع، يقال: انتظرته مليا من الدهر أي متسعا منه،

~~قال: وهو صفة استعملت استعمال الأسماء، وقيل في قوله تعالى: * (واهجرني

~~مليا) * أي دهرا طويلا. والتركيب دال على السعة والطول، منه الملاء للمتسع

~~من الأرض (4).

حمله على عيه: العي - بالكسر - خلاف البيان (5).

ما الواحد المتكثر: تقديم الواحد على المتكثر وإيراد الثاني بصيغة التفعل

~~دون الأول، يدل على أن وحدة هذا الموجود بالذات والكثرة بالاعتبار والجهات.

وما المتكثر المتوحد: عكس الترتيب هنا للدلالة على العكس، وإيراد

~~الصيغتين على التفعل للدلالة على أن كلا من الصيغتين باعتبار أمر آخر (6)

~~إما أعلى منه أو أسفل، أو للإشارة إلى أن أصله الوحدة، إلا أنه يتكثر

~~بالعرض ثم يتوحد ويرجع إلى أصله، كما ستطلع عليه إن شاء الله.

الموجد الموجد: الأول بصيغة المفعول والثاني على الفاعل لرعاية السجع،

صفحه ۵۴

~~ولأن الممكن ما لم يوجد لم يوجد (1).

الجاري المنجمد: أي المتحرك الثابت الذات كما في المتقضيات (2) أو

~~المتحرك في الواقع بحسب الدرجات الثابت في الحس والخيالات كما في الراكدات،

~~قال الله جل مجده: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) * (3).

الناقص الزائد: أي الذي يقبل الزيادة والنقيصة.

لما رأى تسويل نفسه: أي تزيين نفسه له (4) بحمله هذا السكوت على العي

~~والعجز منه عليه السلام، حتى اجترأ على سؤال آخر قبل أن يستسعد بجواب

~~الأول.

أيش تقول: هو مخفف أي شيء تقول، ويحتمل سكون الشين وتنوينها بالكسر.

يا بن أبيه: تعريض بحقارته، لأن المرء إذا لم يستقل بنفسه ولم يعرف من

~~حيث شأنه ينسب إلى أبيه، ويمكن أن يكون تعريضا بجهالته، وأكثر ما يستعمل في

~~مجهول النسب.

ممن تقول: كلمة " من " الجارة للابتداء، أي هذا القول ليس منك ولا من

~~شأنك، وإنما هو من غيرك، بأن يكون قد أخذ من كتب الأنبياء أو وجد في كلام

~~الأوصياء والحكماء، أو مما قاله عن الله، كما نبه عليه السلام في أول جوابه

~~على التوحيد التام، واستهلاك الخاص والعام، فليس القائل والمتكلم بالحقيقة

~~إلا ذو الجلال، فيكون على طريقة قوله تعالى: * (وما رميت إذ رميت) * (5)

~~فتحدس.

صفحه ۵۵

ولمن تقول: أي لا يليق بك أن تسأل على سبيل الإفحام عن هذه الأسئلة مثلي

~~الذي هو الغرض من إيجاد تلك الحقائق المسؤول عنها، بل بنوره استنارت تلك

~~الأشياء (1) بل بصنعه تصورت هذه الرقائق بصورها،

صفحه ۵۶

كما ينادي بذلك قولهم عليهم السلام: (نحن صنائع الله والخلق صنائع لنا)

~~(1).

ويخطر بالبال لهذه الأقوال الثلاثة معنى آخر قوي عندي، وهو أن يكون مراد

~~الإمام عليه السلام من قوله: " أي شيء تقول وممن تقول ولمن تقول " أن السؤال

~~والمسؤول والمسؤول عنه إنما هي نشآت نوره ومعارج كمالاته، فبالحقيقة لا

~~تغاير بينها، أو أن هذه الحقائق هي اعتبارات نور الأنوار بحسب المقامات،

~~ومرايا نور وجهه الكريم على سعة وضيق الدرجات، وإلا فأين الشيء وأين المسؤول

~~والمسؤول عنه في نظر أرباب المشاهدات؟! كما قيل في النظم الفارسي:

هم خود الست گويد وهم خود بلى كند.

بينا: اعلم أن " بينا " هي كلمة " بين " المشبعة (2) جئ بها للمفاجآت،

~~وكثيرا ما يكون بعدها الجملة الإسمية، لكن يجب أن يكون جوابها مما يتفق

~~وجوده في زمان تحقق مدخولها، بل يتسبب عن الذي بعدها، سواء كان من

صفحه ۵۹

الأسباب الذاتية أو العرضية أو الاتفاقية، فقولك: " بينا زيد يضرب عمرا

~~إذ مات عمرو " معناه أن الضرب صار سببا لموت عمرو، إذ لو لم يضربه لم يمت.

وبالجملة: من المستبين عند المهرة من أهل اللسان أن لجملة " بينا " دخلا

~~في الجملة الجوابية أي دخل كان، وهذا الذي قلنا يعرفه من له مشرب تام في

~~العلوم الأدبية، ومن ذلك فليتحدس المتفرس سببية قوله: " كنت أنت أنت "،

~~لقوله: " صرنا نحن نحن " وسيجئ زيادة كشف لذلك صريحا إن شاء الله تعالى.

أنت أنت: الخطاب إما أن يتوجه إلى الله صريحا بأن يكون

صفحه ۶۰

الإمام عليه السلام أعرض عن السائل من حيث إنه أساء الأدب بالنسبة إليه

~~عليه السلام، ثم توجه إلى الله وخاطبه بما هو جواب للسائل بأدق طريق وأكمل

~~تحقيق، وإما أن يتوجه إلى السائل لا من حيث نفسه، بل من حيث إنه مستهلك

~~بذاته عند نظر الإمام عليه السلام، والقيوم قائم مقامه، لأنه سبحانه القائم

~~على كل نفس بما كسبت، وإذا كان هو القائم على النفوس فالكل قاعد عن ادعاء

~~الوجود، راجل عن البروز إلى عرصة الشهود، عاجز عن الانتساب إلى مرتبة من

~~مراتب التحقق، واقف على عدمه الأصلي في ميدان التسابق، وأصدق بيت قالته

~~العرب:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل (1)...

وهذه الحيثية هي التي نفى بها الإمام عن السائل هذا القول، ونسبه إلى

~~الله عز شأنه، كما ذكرنا في أحد احتمالي قوله: " ممن تقول " والمآل في

~~توجيهي الخطاب إلى أمر واحد والتغاير بمحض الاعتبار، فافهم راشدا.

صرنا نحن نحن: أي صيرورتنا نحن متسببة عن كونك أنت أنت، بمعنى أنك كنت

~~أولا أنت مرة واحدة إذ لا نعت في الحضرة الأحدية ولا اسم ولا رسم هناك،

~~فلما رأيت نفسك وعقلت ذاتك كنت أنت أنت مرتين، فتحققت الغيرية التي هي أصل

~~العدد وإن كانت بالاعتبار فصرنا نحن نحن، وعبر عن تلك المرتبة الذاتية

~~بقوله: " بينا أنت أنت ".

صفحه ۶۲

فهذا جواب موجز: أي هذا الذي قلت إنما هو جواب مجمل عن بعض سؤالاتك وهو

~~السؤال الثاني عن الحقائق الخمسة المصدرة بقوله ما الواحد المتكثر إلى آخر

~~الخبر.

وأما الجواب المفصل: أي الجواب عن سؤالك الأول بأدنى تفصيل هو ما أقول:

أن الكفر كفران: وجه التقديم والتأخير في السؤال والجواب أن للسائل

صفحه ۶۳