[مقدمة المؤلف]
صفحه ۳۷
الحمد لله الواحد (1) المتوحد، والفرد المتفرد، الذي توحد بالتوحيد في
صفحه ۳۸
توحده، وتفرد بالتفريد (1) في تفرده، انبجست (2) منه الكثرات بجملتها
~~لوحدته، وابتدأت منه الموجودات (3) برمتها (4) لفرديته، سبحانه وتعالى في
~~كبرياء تقدسه، والصلاة على نبي الرحمة، ومجمع بحري الوحدة والكثرة إنسان
~~العين، وعين الإنسان، والعالم بالبيان، محمد المبعوث على الإنس والجان (5)
~~والمنعوت بنعوت الفرقان، والموصوف بأن خلقه القرآن (6) وعلى وصيه الذي تشعب
~~منه أولاد النبي، وتأحد معه في سيره الأنواري بالنص الجلي (7) وعلى آله
~~الذين هم تقاسيم وجود النبي والولي، وهم أولياء الرحمن، والمقصود من إيجاد
~~الأكوان (8) ما جرى الجاري على الجامدات، وفضل الزائد على الناقصات.
أما بعد: فالفقير إلى الله الغني، والمتمسك بحبل النبي الأمي، محمد
~~المشتهر بسعيد الشريف القمي يقول: إن الحكمة كل الحكمة، ما ورد في الكتاب
~~والسنة، والعلم حق العلم ما صدر عن مدينة العلم (9) وإن في أخبار الأئمة
~~الطاهرين لبلاغا لقوم عابدين، إن في ذلك لذكرى للعالمين، كيف لا؟
صفحه ۳۹
وهم عليهم السلام أهل بيت الحكمة، ومعدن الوحي والرسالة (1) (فالكليم
~~البس حلة الاصطفاء لما شاهدوا منه الوفاء، وجبرئيل في جنان الصاغورة (2)
~~ذاق من حدائقهم الباكورة) (3) وأنى يكون لغيرهم، وفيهم الإمام المبين، وقال
~~عز من قائل:
* (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) * (4).
ثم إن في الخبر الذي رواه أصحابنا، ودار في ألسنة إخواننا رضوان الله
~~عليهم، وأثبتوه في دفاترهم، من سؤال رأس الجالوت مولانا أبا الحسن الرضا
~~عليه السلام، وما أجابه الإمام عليه السلام لحكمة بالغة لا تبلغها أيدي
~~الخائضين في الحكمة المتعالية، فضلا عن الفلسفة الرسمية، وأسرار رائقة لا
~~يكاد ينالها إلا من أتى البيوت من أبوابها، وأنوار بارقة لا يستنير بأشعتها
~~الشارقة إلا من اقتبس من مشكاة الولاية الفائقة.
وإني بعد ما نصفت السبعين، وكنت في عشر الأربعين، اطلعت على هذه الرواية،
~~واستسعدت بتلك الزيارة، فوجدتها عذراء لم يطمثها قبل ذلك الأوان إنس ولا
~~جان، بل لم يخطبها الفحول ولا الفتيان، وكيف لهم من ذلك، وإنها لمن أهل بيت
~~النبوة، ولم يكافئها أحد من الأمة ، اللهم إلا من آجر نفسه ثماني حجج من
~~اثنتي عشر من الحجج، وتقلد بالتابعية المحضة، وفاز بالمحبوبية الكاملة، حتى
~~يكون الله سبحانه سمعه وبصره وعقله، فيسمع بسمعه، ويبصر ببصره، ويعقل بعقله
~~(5) إذ لا يحمل عطاياهم إلا
صفحه ۴۰
مطاياهم، ولا يعلم ما في الدار إلا محارم الأسرار.
وهذا المسكين وإن كان قليل البضاعة في هذه التجارة، ولم يسعد لتلك
~~الإجارة، إلا أن الكريم لا ينظر إلى البضاعة ونفاقها (1) ويبتدئ بالنعم قبل
~~استحقاقها، فلقد أتى علي حين من الدهر لم أكن متفحصا لآثارهم، خادما
~~لأخبارهم، راصدا لأسرارهم، سائرا في أنوارهم، حتى أتاني في مبشرة نومية أمر
~~من جنابهم بالنظر في خطابهم، فقمت بمأمورهم، حتى فتح الله بصيرتي بسرورهم،
~~وشرح صدري بنورهم، وزاد في يقيني بأمورهم، ولعمر الحبيب إن أمرهم صعب
~~مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن ممتحن قلبه للإيمان
~~عند الرب (2).
فمن تلك الفتوحات ما ألهمت من شرح هذا الحديث العويص شرحا لا يحيف عن
~~الحق ولا يحيص (3) وليس ذلك إلا من اقتباس نورهم، بل هو جذوة (4) من قبسات
~~طورهم، وما أقول إلا ما القي في الروع، ومن الله المعونة في البدء والرجوع،
~~وهو حسبي ونعم الوكيل، وعلى الله قصد السبيل ولنسم تلك المقالة ب "
~~الفوائد الرضوية " ونرتبها على مقدمة وثلاث فوائد وخاتمة، مستعينا بالله في
~~الأولى والآخرة.
صفحه ۴۱
ذكر الخبر وتوضيح ألفاظه
صفحه ۴۳
روى أصحابنا رضوان الله عليهم: أنه سأل رأس الجالوت الرضا عليه التحية
~~والثناء بأن قال: يا مولاي، ما الكفر والإيمان، وما الكفران، وما الجنة
~~والنيران، وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان، وقد نطق كلام الرحمن بما
~~قلت، حيث قال في سورة الرحمن: * (خلق الإنسان علمه البيان) * (1).
فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه لم يحر جوابا، ونكت بأصبعه الأرض،
~~وأطرق مليا، فلما رأى رأس الجالوت سكوته عليه السلام حمله على عيه (2)
~~وشجعته نفسه لسؤال آخر.
فقال: يا رئيس المسلمين، ما الواحد المتكثر، والمتكثر المتوحد، والموجد
~~الموجد، والجاري المنجمد، والناقص الزائد؟
فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه، ورأى تسويل نفسه له، قال: (أيش تقول
~~يا بن أبيه، وممن تقول، ولمن تقول؟! بينا أنت أنت صرنا نحن نحن، فهذا جواب
~~موجز.
وأما الجواب المفصل فأقول: إعلم إن كنت الداري والحمد لله الباري: أن
~~الكفر كفران، كفر بالله وكفر بالشيطان، وهما السيان المقبولان المردودان،
~~أحدهما الجنة وللآخر النيران،
صفحه ۴۵
وهما اللذان المتفقان المختلفان، وهما المرجوان، ونص به الرحمن حيث قال:
~~* (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان)
~~* (1) ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان، وبما قلنا ظهر جواب باقي (2)
~~سؤالاتك والحمد لله الرحمن، والصلاة على رسوله المبعوث إلى الإنس والجان،
~~ولعنة الله على الشيطان).
فلما سمع رأس الجالوت كلامه عليه السلام بهت وتحير وشهق شهقة، وقال: أشهد
~~أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك ولي الله، ووصي رسوله،
~~ومعدن علمه حقا حقا.
بيان ما لعله يحتاج إلى البيان رأس الجالوت: هو أكبر علماء اليهود، وقيل
~~قاضيهم (3).
ما الكفر والإيمان: الكفر لغة هو الستر والإخفاء، ومنه سمي الزارع والليل
~~ومن لبس ثوبا فوق درعه كافرا (4).
والكافر اصطلاحا: هو الذي لم يعتقد بوجود البارئ تعالى، أو بأحد صفاته
~~الحسنى، أو بواحد من أنبيائه (5) سمي بذلك لأنه إذا لم يعتقد ذلك فكأنه
~~أخفاه عن عالم الوجود بزعمه، وستره عن مرتبة الشهود باعتقاده.
والإيمان لغة: هو التصديق (6) وفي الشرع هو الاعتقاد بوجود البارئ جل
~~مجده، وبصفاته العليا كما يليق به تعالى، ووجود ملائكته المدبرة، وكتبه
صفحه ۴۶
~~المنزلة، ورسله المرسلة، وبما جاؤوا به من عنده، وعدم
~~التفريق بينهم (1) وسيجئ تحقيق الكفر وحقيقة الإيمان إن شاء الله الرحمن.
وما الكفران: هما الكفر بالله والكفر بالشيطان، كما سيأتي هذا التفصيل في
~~كلام إمام الإنس والجان عليه السلام.
وما الشيطانان: الشيطان إما من شاط إذا بطل، أو من شطن إذا بعد (2).
وبالجملة: الشيطان هنا هو ما سوى الله تعالى (3) أما على المعنى الأول:
فلأن جميع ما سوى الله باطل هالك، وأما على المعنى الثاني: فلأن ما عداه
~~باعتبار كونه سواه بعيد عنه جل وعلا ، ومن ذلك سمي كل عات متمرد من الإنس
~~والجن والدواب شيطانا (4).
* (خلق الإنسان) *: أي الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه، والبشر النوري
~~الذي هو أبو البشر بالحقيقة، وإن كان من أبناء آدم أبي البشر بحسب
صفحه ۴۷
~~الصورة، والعقل الذي هو النور المحمدي صلى الله عليه وآله، وقد دل على
~~ذلك:
النقل الصحيح (1) والكشف الصريح، بل العقل البرهاني المؤيد بالنور
~~السبحاني.
وفي رواية: (الإنسان هو أمير المؤمنين عليه السلام، علمه بيان كل شيء مما
~~يحتاج إليه الناس) (2) والمآل واحد، لأن نورهما واحد، بل هما واحد (3).
* (علمه البيان) *: عدم الفصل بالعاطف لأنه بيان للخلق، أي خلقه بمحض
~~تعقله نفسه، عز شأنه، بأن جعله مظهر معقولاته، ومستودع علمه، ومعدن
صفحه ۵۰
~~بياناته التي هي الجواهر العقلية، والأنوار الإلهية التي
~~صارت في تلك المرتبة المظهرية أسماء إلهية جمالية وجلالية (1) وبالحقيقة
~~جعله نفس ذلك العلم والبيان كما يراه أهل العرفان.
ويؤيد ما قلنا في معنى البيان ما ورد في الخبر أن: (البيان هو الاسم
~~الأعظم الذي علم به كل شيء) (2).
ثم استشهاد السائل بالآية الكريمة يحتمل وجهين:
الاحتمال الأول: أنه سبحانه خلق هذا الإنسان بأن علمه بيان كل شيء، بل هو
~~- أي ذلك الإنسان - بيان كل شيء، فيجب أن يجيب عن هذه
صفحه ۵۱
الأسئلة من هو من سنخ ذلك الإنسان، ويدعي أنه وصيه والخليفة من بعده،
~~والحافظ لعلومه وأسراره، ولهذا لما أجاب الإمام عليه السلام بما أجاب قال:
ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان، أي كما أن المجيب يجب أن يكون
صفحه ۵۲
~~من سنخ هذا الإنسان باعتبار النورية والبضعية ومن حيث
~~التأحد في المراتب النزولية والصعودية، كذلك الذي يفهم هذا الجواب يجب أن
~~يكون من سنخه ومن شيعته باعتبار التابعية.
والاحتمال الثاني: هو أن الذي طلبته من حقيقة الكفر والإيمان، وتحقيق
~~الجنة والنيران، وما الشيطانان، إنما هو كله في الإنسان، لا ينفلت منه شيء،
~~وهو مظهر تلك الأشياء، وبه تتحقق هذه الأسماء، لأن الله خلقه بأن جعله
~~الكتاب المبين، وقد قال جل من قائل: * (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)
~~* (1) فيجب أن يجيب على هذه الحقائق من يترقى إلى هذه الرقائق (2).
ويؤيد ما احتملنا ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (إن الصورة
~~الإنسانية أكبر حجة الله على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده، وهي الهيكل
~~الذي بناه بحكمته، وهي مجموع صور العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ،
~~وهي الشاهد على كل غائب، وهي الحجة على كل جاحد، وهي الطريق المستقيم إلى
~~كل خير، وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار) (3). صدق ولي الله.
لم يحر جوابا: أي لم يرد جوابا، يقال: كلمته فما أحار جوابا أي ما رده
~~(4).
نكت بأصبعه الأرض: أي ضرب به الأرض، كما يفعله المتفكر في شيء المتردد فيه
~~(5).
أطرق مليا: بتشديد الياء من غير همز أي سكت طائفة من الزمان (6) والمراد
~~هنا بعض الزمان، وإن كان أكثر ما يستعمل في الزمان الطويل (7)
صفحه ۵۳
ويمكن أن يكون الطول باعتبار زمان التخاطب وبحسب ما يتعارف الفصل بين
~~السؤال والجواب، فإذا تجاوز من ذلك الحد عد طويلا.
قال في " الكشاف " في قوله: * (واهجرني مليا) * (1): أي زمانا طويلا من
~~الملاوة مثلثة، وهي الحين والمدة من الزمان (2).
وقال " المطرزي " في " المغرب ": الملي الساعة الطويلة، عن " الجوزي "
~~(3) وعن " أبي علي " هو المتسع، يقال: انتظرته مليا من الدهر أي متسعا منه،
~~قال: وهو صفة استعملت استعمال الأسماء، وقيل في قوله تعالى: * (واهجرني
~~مليا) * أي دهرا طويلا. والتركيب دال على السعة والطول، منه الملاء للمتسع
~~من الأرض (4).
حمله على عيه: العي - بالكسر - خلاف البيان (5).
ما الواحد المتكثر: تقديم الواحد على المتكثر وإيراد الثاني بصيغة التفعل
~~دون الأول، يدل على أن وحدة هذا الموجود بالذات والكثرة بالاعتبار والجهات.
وما المتكثر المتوحد: عكس الترتيب هنا للدلالة على العكس، وإيراد
~~الصيغتين على التفعل للدلالة على أن كلا من الصيغتين باعتبار أمر آخر (6)
~~إما أعلى منه أو أسفل، أو للإشارة إلى أن أصله الوحدة، إلا أنه يتكثر
~~بالعرض ثم يتوحد ويرجع إلى أصله، كما ستطلع عليه إن شاء الله.
الموجد الموجد: الأول بصيغة المفعول والثاني على الفاعل لرعاية السجع،
صفحه ۵۴
~~ولأن الممكن ما لم يوجد لم يوجد (1).
الجاري المنجمد: أي المتحرك الثابت الذات كما في المتقضيات (2) أو
~~المتحرك في الواقع بحسب الدرجات الثابت في الحس والخيالات كما في الراكدات،
~~قال الله جل مجده: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) * (3).
الناقص الزائد: أي الذي يقبل الزيادة والنقيصة.
لما رأى تسويل نفسه: أي تزيين نفسه له (4) بحمله هذا السكوت على العي
~~والعجز منه عليه السلام، حتى اجترأ على سؤال آخر قبل أن يستسعد بجواب
~~الأول.
أيش تقول: هو مخفف أي شيء تقول، ويحتمل سكون الشين وتنوينها بالكسر.
يا بن أبيه: تعريض بحقارته، لأن المرء إذا لم يستقل بنفسه ولم يعرف من
~~حيث شأنه ينسب إلى أبيه، ويمكن أن يكون تعريضا بجهالته، وأكثر ما يستعمل في
~~مجهول النسب.
ممن تقول: كلمة " من " الجارة للابتداء، أي هذا القول ليس منك ولا من
~~شأنك، وإنما هو من غيرك، بأن يكون قد أخذ من كتب الأنبياء أو وجد في كلام
~~الأوصياء والحكماء، أو مما قاله عن الله، كما نبه عليه السلام في أول جوابه
~~على التوحيد التام، واستهلاك الخاص والعام، فليس القائل والمتكلم بالحقيقة
~~إلا ذو الجلال، فيكون على طريقة قوله تعالى: * (وما رميت إذ رميت) * (5)
~~فتحدس.
صفحه ۵۵
ولمن تقول: أي لا يليق بك أن تسأل على سبيل الإفحام عن هذه الأسئلة مثلي
~~الذي هو الغرض من إيجاد تلك الحقائق المسؤول عنها، بل بنوره استنارت تلك
~~الأشياء (1) بل بصنعه تصورت هذه الرقائق بصورها،
صفحه ۵۶
كما ينادي بذلك قولهم عليهم السلام: (نحن صنائع الله والخلق صنائع لنا)
~~(1).
ويخطر بالبال لهذه الأقوال الثلاثة معنى آخر قوي عندي، وهو أن يكون مراد
~~الإمام عليه السلام من قوله: " أي شيء تقول وممن تقول ولمن تقول " أن السؤال
~~والمسؤول والمسؤول عنه إنما هي نشآت نوره ومعارج كمالاته، فبالحقيقة لا
~~تغاير بينها، أو أن هذه الحقائق هي اعتبارات نور الأنوار بحسب المقامات،
~~ومرايا نور وجهه الكريم على سعة وضيق الدرجات، وإلا فأين الشيء وأين المسؤول
~~والمسؤول عنه في نظر أرباب المشاهدات؟! كما قيل في النظم الفارسي:
هم خود الست گويد وهم خود بلى كند.
بينا: اعلم أن " بينا " هي كلمة " بين " المشبعة (2) جئ بها للمفاجآت،
~~وكثيرا ما يكون بعدها الجملة الإسمية، لكن يجب أن يكون جوابها مما يتفق
~~وجوده في زمان تحقق مدخولها، بل يتسبب عن الذي بعدها، سواء كان من
صفحه ۵۹
الأسباب الذاتية أو العرضية أو الاتفاقية، فقولك: " بينا زيد يضرب عمرا
~~إذ مات عمرو " معناه أن الضرب صار سببا لموت عمرو، إذ لو لم يضربه لم يمت.
وبالجملة: من المستبين عند المهرة من أهل اللسان أن لجملة " بينا " دخلا
~~في الجملة الجوابية أي دخل كان، وهذا الذي قلنا يعرفه من له مشرب تام في
~~العلوم الأدبية، ومن ذلك فليتحدس المتفرس سببية قوله: " كنت أنت أنت "،
~~لقوله: " صرنا نحن نحن " وسيجئ زيادة كشف لذلك صريحا إن شاء الله تعالى.
أنت أنت: الخطاب إما أن يتوجه إلى الله صريحا بأن يكون
صفحه ۶۰
الإمام عليه السلام أعرض عن السائل من حيث إنه أساء الأدب بالنسبة إليه
~~عليه السلام، ثم توجه إلى الله وخاطبه بما هو جواب للسائل بأدق طريق وأكمل
~~تحقيق، وإما أن يتوجه إلى السائل لا من حيث نفسه، بل من حيث إنه مستهلك
~~بذاته عند نظر الإمام عليه السلام، والقيوم قائم مقامه، لأنه سبحانه القائم
~~على كل نفس بما كسبت، وإذا كان هو القائم على النفوس فالكل قاعد عن ادعاء
~~الوجود، راجل عن البروز إلى عرصة الشهود، عاجز عن الانتساب إلى مرتبة من
~~مراتب التحقق، واقف على عدمه الأصلي في ميدان التسابق، وأصدق بيت قالته
~~العرب:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل (1)...
وهذه الحيثية هي التي نفى بها الإمام عن السائل هذا القول، ونسبه إلى
~~الله عز شأنه، كما ذكرنا في أحد احتمالي قوله: " ممن تقول " والمآل في
~~توجيهي الخطاب إلى أمر واحد والتغاير بمحض الاعتبار، فافهم راشدا.
صرنا نحن نحن: أي صيرورتنا نحن متسببة عن كونك أنت أنت، بمعنى أنك كنت
~~أولا أنت مرة واحدة إذ لا نعت في الحضرة الأحدية ولا اسم ولا رسم هناك،
~~فلما رأيت نفسك وعقلت ذاتك كنت أنت أنت مرتين، فتحققت الغيرية التي هي أصل
~~العدد وإن كانت بالاعتبار فصرنا نحن نحن، وعبر عن تلك المرتبة الذاتية
~~بقوله: " بينا أنت أنت ".
صفحه ۶۲
فهذا جواب موجز: أي هذا الذي قلت إنما هو جواب مجمل عن بعض سؤالاتك وهو
~~السؤال الثاني عن الحقائق الخمسة المصدرة بقوله ما الواحد المتكثر إلى آخر
~~الخبر.
وأما الجواب المفصل: أي الجواب عن سؤالك الأول بأدنى تفصيل هو ما أقول:
أن الكفر كفران: وجه التقديم والتأخير في السؤال والجواب أن للسائل
صفحه ۶۳