* بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على أمين الله محمد الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل ، مولده بمكة وهجرته بطيبة ، وعلى أهل بيته المعصومين الذين بهم عاد الحق إلى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه ، واللعن على أعدائهم الجفاة الطغام الحيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل.
لقد توفقت مؤسستنا في حقبة من الزمن لتحقيق ونشر آثار خالدة وأسفار قيمة في الملأ الثقافي الديني بصورة رائقة بهية.
ومن تلكم الآثار هذا السفر المنيف من أحد أعلام الشيعة وحماة الشريعة العالم الجليل والمحدث النبيل المولى محمد أمين الأسترآبادي رحمه الله الذي تفرد ببعض الآراء ونظر إلى مستند المعارف الدينية والأحكام الفقهية بوجه غير ما استقرت عليه آراء جمهور المتأخرين من علماء الإمامية رضوان الله عليهم.
ومن مزيد توفيقها تذييل الكتاب ب « الشواهد المكية » وهي تعليقات نقدية علمية على نظريات المحدث الأمين ، صنفها طود العلم المنيف وعضد الدين الحنيف السيد الشريف نور الدين الحسيني العاملي أخو صاحبي المدارك والمعالم رحمهم الله فصار الكتابان بحمد الله كأنهما نجمان مقترنان يستضاء منهما على مرور الدهور والأزمان أو بحران ملتقيان ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ).
ويجدر بالذكر أن تحقيق أثر علمي وإصداره لا يلازم الإذعان بجميع ما يحتوي عليه. والهدف : عرض الآراء العلمية وتوفير النظريات الثقافية وتنشيط
صفحه ۳
الباحثين إلى الارتقاء واتباع ما هو الأحسن فإنه تعالى بشر عباده ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ). فإليكم هذا المصرع الفكري للبطلين الفذين من رجال العلم ، جدير أن ينشد في حق كل منهما :
لقد بذل المجهود لله دره
وما كان في نصح الخلائق خائنا
وأما منهجية التحقيق ، فمعطوفة على ما استقر عليه مسلكنا : من مقابلة نسخة بسائر النسخ التي حصلنا عليها ، وتحري ما جرى على قلم المؤلف عند الاختلاف بإثباته في المتن ، وإثبات المرجوح في الهامش ، والإعراض عما هو سهو قطعا. ثم افتراز الفقرات ، ووضع العلائم الدارجة في موضعها ، وإعمال سائر الامور الفنية.
وأما النسخ التي كانت في أيدينا واعتمدنا عليها :
فللفوائد المدنية : النسخة الحجرية المتوفرة في المكتبات وعند الباحثين ، وأربع نسخ خطية يأتي وصفها في ذيل نماذج من مصوراتها.
وللشواهد المكية : ما بهامش الحجرية ، وخطية.
وفي الختام نقدم شكرنا المتواصل إلى جميع إخواننا الفضلاء الذين ساهمونا في هذه الخدمة ، نخص بالذكر الفاضل النبيل سماحة الحجة السيد حسين الموسوي ( نزيل سراوان ) بما تفضل علينا سماحته النسخ الخطية التي نال باقتنائها ، وساعدنا في إحياء هذا الأثر القيم. ولله الحمد.
صفحه ۴
** تقديم بقلم سماحة الحجة
** آل عصفور البحراني :
* بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين ، وآله الأصفياء المعصومين.
وبعد ، لما نظرت في مواضع من هذا الكتاب ، ورأيت مطالب لا توجد في غيره المرادفة لهذا الباب ، وقرأت عنه في مقالات علمائنا اولي الألباب ، ووقفت على بعض فوائد من هذا السيل اللباب ؛ وددت نشره لذوي البصيرة والدين ليكون في متناول أيدي الطالبين ، وجوابا لمسائل الراغبين ، ومدركا للباحثين ، عسى أن ينتفعوا به وينفع الآخرين ؛ وإن هذا السفر الجليل والعتب الجميل غاية سالكي هذا السبيل ؛ لذا سألنا الله التوفيق ، وهو خير موفق ومعين.
إنصاف الكلام في ترجمة المولى العلام
هو العالم المحقق والكامل المدقق ، والفقيه المتبحر والمحدث الماهر المتكلم ، الجامع للمنقول والمعقول ، ومهذب الاصول بالاصول ، صاحب المناصل : مولانا محمد أمين بن محمد شريف الأخباري الأسترآبادي ، المدعو ب « المولى ».
** أقوال في حقه :
قال الحر العاملي قدسسره في أمل الآمل واصفا لعظمة شأنه وعلو مكانته :
صفحه ۵
فاضل محقق ماهر متكلم فقيه محدث ثقة جليل ( ص 246 ).
وقال البحراني قدسسره في اللؤلؤة :
كان فاضلا محققا مدققا ماهرا في الأصوليين والحديث أخباريا صلبا!! ( ص 212 ).
وقال العلامة الأكبر في البحار معتمدا على كتابه هذا ، ما لفظه :
وكتاب الفوائد المكية والفوائد المدنية لرئيس المحدثين مولانا محمد أمين الأسترابادي ( ج 1 ص 20 ).
وقال المجلسي الأول قدسسره في شرحه ل : « الفقيه » ما لفظه :
والحاصل : أن الدلائل العقلية التي ذكرها بعض الأصحاب وبنوا عليها الأحكام أكثرها مدخولة ، والحق في أكثرها مع الفاضل الأسترابادي رضى الله عنه.
وقال أيضا في شرحه للكتاب المذكور بلغته كما هو منظور :
وديگر از امورى كه ذكر آن لايق نيست اختلافاتى در ميان شيعه بهم رسيد ، وهريك بموجب يافت خود را از قرآن وحديث عمل مينمودهاند ومقلدان متابعت ايشان مىكردند ، تا آنكه سي سال تقريبا قبل از اين فاضل متبحر مولانا محمد أمين أسترآبادي رحمه الله مشغول مقابلة ومطالعه أخبار أئمة معصومين ( صلوات الله عليهم ) شد ، ومذمت آراء ومقاييس مطالعه نمود وطريقه أصحاب حضرات أئمة معصومين را دانست « فوائد مدنية » را نوشت وباين بلاد فرستاده وأكثر أهل نجف وعتبات عاليات طريقه او را مستحسن دانستند ورجوع بأخبار نمودهاند ، والحق أكثر آنچه مولانا محمد أمين گفته است حق است.
حاصل هذه العبارات :
إن مولانا كان مشغولا بمقابلة الأخبار ومطالعتها وطرح ذلك على الآراء والمقاييس فردها ، وعرف طريقة أصحاب الأئمة عليهم السلام ودونها في « الفوائد المدنية » وأرسلها إلى البلاد ، وكان الكتاب مستحسنا عند أكثر أهل النجف والعتبات العاليات ، وبفضله رجعوا إلى الأخبار ، وأكثر ما قاله مولانا محمد أمين حق!!!.
وقال الحر العاملي قدسسره في الفوائد الطوسية ردا على من قال بأن في هذا الكتاب
صفحه ۶
طعنا على جميع علماء الإمامية ما هذا لفظه :
أقول : الذين عرض صاحب « الفوائد المدنية » بالطعن عليهم وهم خمسة لا غير كما يأتي وقد عرض المعاصر بالطعن عليهم في أواخر رسالته كما عرفت ، بل صرح بذلك ، ولم يصرح صاحب « الفوائد المدنية » بالطعن عليهم وإنما رجح طريقة القدماء على طريقة المتأخرين بالنصوص المتواترة ، وذكر أن القواعد الاصولية التي تضمنتها كتب العامة غير موافقة لأحاديث الأئمة عليهم السلام وقد أثبت تلك الدعوى بما لا مزيد عليه ، ومن أنصف لم يقدر أن يطعن على أصل مطلبه ولا أن يأتي بدليل تام على خلاف ما ادعاه ( ص 442 ).
وقال أيضا في موضع آخر :
ومن العجب! دعواه أن صاحب « الفوائد المدنية » رئيس الأخباريين ، وكيف يقدر على إثبات هذه الدعوى؟ مع أن رئيس الأخباريين هو النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لأنهم ما كانوا يعملون بالاجتهاد ، وإنما كانوا يعملون في الأحكام بالأخبار قطعا ، ثم خواص أصحابهم ثم باقي شيعتهم في زمانهم مدة ثلاثمائة وخمسين سنة وفي زمان الغيبة إلى تمام سبعمائة سنة. انتهى كلامه رفعت أعلامه ( ص 446 ).
وقال أيضا في موضع آخر :
واعلم أن صاحب « الفوائد المدنية » ادعى أمرين : أحدهما : عدم جواز العمل بغير نص إلى أن قال : وقد أثبت الأمرين بما لا مزيد عليه وأورد جملة من الأدلة العقلية ونقل أحاديث متواترة فلا يمكن إبطال أصل مطلبه.
وقال في حقه المولى الفيض الكاشاني في رسالته المسماة ب « الحق المبين » ما هذا نصه :
وقد اهتدى لبعض ما اهتديت له بعض أصحابنا من استراباد كان يسكن مكة شرفها الله وقد أدركت صحبته بها ، فإنه كان يقول بوجوب العمل بالأخبار واطراح طريقة الاجتهاد والقول بالآراء المبتدعة وترك استعمال الاصول الفقهية المخترعة ، ولعمري! أنه قد أصاب في ذلك ، وهو الفاتح لنا هذا الباب وهادينا فيه
صفحه ۷
إلى سبيل الصواب. ( ص 12 ).
أقول : إن المراد من هذا الباب : باب الرد وعدم الإصغاء لما أحدثه المتأخرون خلافا للمتقدمين.
وبعض من العلماء الأبرار قد جعله من قوائم العلماء وأعلام السادة الفضلاء ، جاعلا للمتقدمين ثلاث قوائم ، وهم المحمدون : الكليني ، والصدوق ، والشيخ الطوسي ، وللمتأخرين ثلاث قوائم أيضا ، وهم المحمدون : مولانا الأمين ، والفيض الكاشاني ، والحر العاملي قدس الله أرواحهم .
كشيخنا العلامة الجليل والفهامة الأديب الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة البحراني السماهيجي في قصيدته التي في علم الحديث :
علم الحديث هو الدليل وغيره
جهل ، وليس الجهل بالمتبوع
وهي خمسة وأربعون بيتا جمعها في كتابه : « رياض الجنان ».
وقال المعاصر الشيخ مرتضى مطهري في كتاب له بالفارسية سماه : « اصل اجتهاد در اسلام » بعد نقل الكثير من كلمات المولى أمين التي أودعها في « الفوائد
صفحه ۸
المدنية » ما هذا نصه :
امين استرابادي همانطوريكه از كتاب وى پيدا است : شخصا مردى باهوش ، ومطالعه كرده ، ومطلع بوده است.
حاصله : كما يظهر من كتاب محمد أمين الأسترآبادي أنه كان ذو شخصية عظيمة وفراسة وذكاء ، وكان مطلعا ومحققا.
فنقول : إن التصدي لهذا المقام يوجب التعرض لامور :
** أولا : موقفه تجاه المتأخرين :
إن ما كان عند المتأخرين من أدلة وبراهين في أحكام شريعة سيد المرسلين لم يكن عند المتقدمين من أصحاب الميامين عليهم السلام ولا من المتأخرين عنهم ، إن أول من خالف على صعيد القول والعمل هو العلامة رحمه الله بلا مجاملة ولا وضع سر على الشائع الظاهر.
تقدم في كلام صاحب « الفوائد الطوسية » دلالة على ذلك بقوله : « وفي زمن الغيبة إلى تمام سبعمائة سنة » أي زمن العلامة قدسسره . وقال ذلك في موضع آخر من الكتاب أيضا.
وأما صريح قول المجلسي قدسسره في « روضة المتقين » :
وأول من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين حسن بن مطهر الحلي قدس الله روحه . ( ص 19 / ج 1 ).
إن الذين جاءوا بعد العلامة رحمه الله سلكوا مسلكه ورضوا بما عنده ، بل فرعوا تلك الاصول التي بناها وجعلوها محورا للتدريس والتنقيب لمعرفة أدلة الأحكام ، ذلك لتعسر الوصول إليها من غير الاصول ولبعدهم عن زمن آل الرسول صلى الله عليه وآله وعدم الوصول إلى ما عند متقدمي علمائنا الفحول ، أو عدم الاكتفاء بما عندهم طلبا للمأمول ، كما صرح به غير واحد منهم وسرى الكل في القول ، إلا من ارتأى برأي السلف الصالح وقف على طرف الساحل مكتفيا بما جاء عن أهل العقد والحل عليهم السلام وبعض لم يكتف بالوقوف مكتوف الأيدي وإنما قصد الأمواج من هذا العلم السائل وبقى في صراع
صفحه ۹
عنيف يريد إلقاء الحجة وما عنده من دليل ، فمضى كذلك من غير وصول إلى سبيل.
إن المترجم اختار الصنف الأخير ، ألا وهو رفع العظماء وتولى النقاش وطرح المعارضات ...
إن الاختلاف الموجود إذا حمل على عاتق الفقاهة فإن لكل فقيه رأيه ودليله ، ... أما إذا كان تقليدا للآخرين فلا يعتد بقوله ، لأنه لا يعد من عداد العلماء ولا من صفوف الفقهاء ...
إن الفرقة الناجية الاثنى عشرية تحدد مرحلة من له أهلية الإفتاء : بأن لا يقلد فقيها مثله فضلا عن غيره ، وإنما يتبع الدليل الذي عند الفقيه .. بدليل أنه يخالفه في مسائل لم يقتنع بدليله وإنما بدليل آخر ..
وقوله عليه السلام : « من أصغى لناطق فقد عبده » إن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبده.
وليس خفي عليك أيها المتأمل أن الدلالة في الرواية صريحة بالنظر في الدليل ... والروايات كثيرة في هذا المقام لا يسعنا تفصيلها لضيق المقال. الحاصل من ذلك : أن الفقيه لا يكون في جميع مقالاته ناطقا عن الله على الإطلاق ... بل يكون كذلك إذا رجع لأهل العصمة عليهم السلام في جميع ما جاء به ، فلا يتصور في حق غيرهم عليهم السلام العصمة لكي يسلم بجميع ما جاء عنه ...
إن السبب الداعي لاتباع المتأخرين للعلامة قدسسره هو تلمذتهم على يده أو على يد من وافقه في رأيه ، أو لأسباب قد ذكرها العلامة المجلسي في كتابه « روضة المتقين » بعد الإشارة لتقسيمهم الأحاديث وعدم اعتبار صحة جميع ما في « الفقيه » قائلا :
والذي بعث المتأخرين نور الله مرقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو : أنه لما طالت الأزمنة بينهم وبين الصدر السالف وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الاصول المعتمدة لتسلط حكام الجور والضلال والخوف من إظهارها واستنساخها ، وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الاصول في الاصول المشهورة في هذا الزمان والتبست الأحاديث المأخوذة من
صفحه ۱۰
كتب الاصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة واشتبهت المتكررة في كتب الاصول بغير المتكررة وخفى عنهم قدسسرهم كثير من تلك الامور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه. انتهى كلامه أعلى الله مقامه .
** ثانيا : سبب تأليفه لهذا الكتاب :
إن الأسباب التي أدت إلى تأليف هذا الكتاب كثيرة قد تقدم بعضها ، وهنا نذكر بعضها عن لسان المصنف في كتابه الموسوم ب « دانشنامه شاهى » ما هذا نصه :
تا آنكه نوبت بأعلم علماء المتأخرين در علم حديث ورجال وأورعهم ، استاذ الكل في الكل ميرزا محمد استرابادي نور الله مرقده الشريف رسيده پس ايشان بعد از آنكه جميع أحاديث را بفقير تعليم كردند اشاره كردند كه : « احياء طريقه أخباريين بكن ، وشبهاتى كه معارضه با آن طريق دارد رفع آن شبهات بكن ، چرا كه اين معنى در خاطر مىگذشت ، لكن رب العزة تقدير كرده بود كه اين معنى بر قلم تو جارى شود » پس فقير بعد از آنكه جميع علوم متعارفه را از اعظم علماء آن فنون أخذ كرده بودم ، چندين سال در مدينه منوره سر به گريبان فكر فرومىبرديم ، وتضرع بدرگاه رب العزة من كردم ، وتوسل بأرواح أهل عصمت عليهم السلام مىجستم ، ومجددا نظر بأحاديث وكتب عامة وكتب خاصه مىكردم ، آرزوى كمال تعمق وتأمل ، تا آنكه بتوفيق رب العزة وبركات سيد المرسلين وأئمة طاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين باشاره لازم الإطاعة امتثال نمودم ، وبتأليف : « فوائد المدنية » موفق شده ، به مطالعه شريف ايشان مشرف شد ، پس تحسين اين تأليف كردند ، وثناء بر مؤلفش گفتند رحمه الله .
حاصل ما تقدم :
إلى أن وصل بنا المطاف إلى أعلم العلماء المتأخرين في علم الحديث والرجال وأورعهم استاذ الكل في الكل ميرزا محمد علي استرابادي نور الله مرقده الشريف وبعد أن قرأت عنده علم الحديث أشار إلي قائلا : « أحي طريقة الأخباريين وارفع
صفحه ۱۱
الشبهات المعارضة لها ، لأن هذا المعنى كان يدور في خاطري ، ولكن الله قدر أن يكون على يدك » وبعد أن أخذت العلوم المتعارفة من أعظم علمائها ، وكنت في المدينة المنورة أعوام على هذا الحال ، وبعد تضرعي لوجه الله وتوسلي بأرواح أهل العصمة عليهم السلام وجددت النظر في الأحاديث وكتب العامة وكتب الخاصة بنظرة دقيقة متعمقة متأملة حتى وفقني الله عز وجل ببركات سيد المرسلين والأئمة الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فأجبته مؤتمرا طائعا فألفت « الفوائد المدنية » ولما عرضته عليه أجابني مستحسنا لما جاء فيه وأثنى علي بالجميل رحمه الله .
** ثالثا : كتابنا والآراء :
إن في هذا الكتاب خزائن ما كان عند المعاصرين له والمتقدمين عليه ، فإنه يبحث فيه حول الفرق بين الأخباريين السالفين والاصوليين المجتهدين ، إنه مصدر لمن طلب الحق عن رسالة الأئمة المهتدين عليهم السلام وعن لسان المعصومين عليهم السلام لذا فقد اعتمد كثير من الأخباريين وبعض من الأصوليين على ما أودعه في هذا اللؤلؤ الثمين ، كصاحب « منية الممارسين في أجوبة الشيخ ياسين » فإنه أرجع الفضل كله للمولى محمد أمين في إحياء هذه الطريقة ونقل عنه الكثير في كتابه المشار إليه.
والشيخ يوسف البحراني العصفوري قدسسره قد اعتمد على كثير من مقالات « المولى » في « الدرر النجفية » و « الحدائق » و « أجوبة مسائل بعض الأعلام » إلا أنه قد خالفه في بعض لا مجال لإطالة هذا المطلب ، فإن حاصله : أن الشيخ البحراني قد فهم من كلام المولى في « الفوائد المدنية » التشنيع والطعن على من خالفه الأوائل أو ارتأى برأي غير سديد ، وأشار ان هذا لا يوجب التشنيع بل بمجرد الرد والإنكار يكون كافيا لإلقاء الحجة ، كما أن الشيخ في صدده ...
ومن المعتمدين على هذا الكتاب صاحب الكفاية في الاصول وصاحب الرسائل في كثير من كتبه التي تتعلق بهذا المفاد.
ونقول : إن جميع من أراد التحقيق في طريقة الأخباريين يعتمد على « العماد الممدد والمولى المؤيد » فإن كان أخباريا فلفضله عليهم جميعا ، وإن كان خصما لهم
صفحه ۱۲
فلأنه يدعي أن « المولى » هو المؤسس لهذه الطريقة الحقة ، وقد تقدم الحر العاملي قدسسره بالجواب عنه ... إن القائل لهذه المقالة الفاسدة طبعا وعقلا وشرعا يريد إخراجهم من الدين الحنيف ... بل هي دعوى كل مشوش وملاعب بالألفاظ والمعاني.
ومنهم من يقول بأن المولى قد أخذ آراءه من الفلاسفة الاوروبيين الحسيين ، خصوصا في هذا العصر الذي كثرت فيه الافتراءات على أمثال هذه الشخصية.
** فنقول :
أولا : كيف يقدر على إثبات هذه الدعوى؟ والحال أن المعاصرين لم يدركوا ذلك حتى الذين أتوا بعده ، فكيف وصل إلى من في هذا الزمان توجيه المقالة أن ما في التراجم كله من العلماء واحد بعد واحد إلى أن يصل إلى من يدون في ذلك المقام فيكتب ما وصل إليه!.
إن أصل الدعوى لا لها سبق حتى يرويها واحد إلى واحد! فعرف أنه افتراء!.
ثانيا : إن كان قد أخذ واتبع الفلاسفة المعنيين فما ربط ذلك بالفقه والاصول؟
فخرج تهافت ما ادعاه.
ثالثا : ان المولى اختار مسلك المتقدمين في قوله : الصواب عندي مذهب قدمائنا الأخباريين وطريقتهم.
ويلزم من هذا القول أن المتقدمين أيضا أخذوا عن الفلاسفة المعنيين ، فبان ما غفل عنه!.
** رابعا : أساتيذه الكرام
إن أول من له الفضل عليه وهو « الميرزا محمد علي الأسترآبادي » صاحب كتب « الرجال » الثلاثة ، كان مدرسه في آخر دراسته كما يشير إلى ذلك ما تقدم.
ثم السيد السند محمد بن الحسن العاملي صاحب « المدارك » درس عنده في المشهد الغروي المقدس ، وكان معجبا بالمولى كثيرا حتى أنه وصفه بالفضل والنبل في إجازته له ، ذكر ذلك صاحب « روضات الجنات ».
ثم الشيخ حسن صاحب « المعالم » درس عنده ، يشهد بذلك الإجازة التي
صفحه ۱۳
أجازه إليها.
والسيد محمد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي.
والسيد تقي الدين محمد النسابة ، درسه في أوائل دراسته ، وذكروا أنه قرأ عليه شرح العضدي ، وكانت مدة حضور درسه أربع سنين.
** خامسا : مصنفاته
1 الفوائد المدنية : هذا الكتاب.
2 الفوائد المكية : ذكره صاحب « البحار ».
3 شرح اصول الكافي : ذكره صاحب « اللؤلؤة ».
4 شرح التهذيب : ذكره في « أمل الآمل ».
5 شرح الاستبصار : ذكره الحر ، وقال : أنه يوجد عندي.
6 فوائد دقائق العلوم العربية وحقائقها الخفية : ذكره المصنف في هذا الكتاب.
7 رسالة في البداء : يوجد عند صاحب « أمل الآمل ».
8 أجوبة مسائل شيخنا الشيخ حسين الظهيري العاملي : نقله عنه الكثير.
9 رسالة في طهارة الخمر ونجاستها : ذكره في « أمل الآمل ».
10 حاشية على المدارك : يوجد عند صاحب « اللؤلؤة ».
11 حواشي الشرح الجديد على التجريد : ذكره في هذا الكتاب.
12 رسالة في الرد على صاحب « الأسفار » ذكرها في أواخر هذا الكتاب.
13 رسالة بالفارسية قد سماها ب « دانشنامه شاهى ».
** سادسا : وفاته
توفي في مكة المكرمة ودفن فيها في السنة الثالثة والثلاثين بعد الألف. وقيل كما ينقل صاحب « أمل الآمل » : إنه توفي في سنة ست وثلاثين بعد الألف ، وكان مصدره كتاب « سلافة العصر » في ( ص 499 ). وأكثر كتب التراجم تنقل الأول.
قدس الله روحه ، ونور مضجعه ، وجعل له أنيس في ضريحه ، وأسكنه فسيح جنته.
صفحه ۱۴
** ختاما :
بعد طرحنا لما في الجوف من مقال وألممنا ما في القول من مجال ليثبت كل من كان في شك من أمره وليكن على بصيرة من دينه ، وإذا خفي على الناقد ما تقدم فلا يخفى عليه إذا تأمل في عبارات هذا الكتاب ...
نسأل الله أن يهدينا للتي هي أقوم ويبشر الصالحين ، إنه نعم المولى ونعم الوكيل ...
صفحه ۱۵
** نبذة من حياة
** السيد نور الدين مؤلف الشواهد المكية :
عنونه أصحاب التراجم والفهرستات وأثنوا عليه بليغ الثناء ، منهم السيد علي خان المدني في سلافة العصر ، والأفندي في رياض العلماء ، والشيخ الحر في أمل الآمل ، والبحراني في لؤلؤة البحرين ، والتنكابني في قصص العلماء ، والسيد الخوانساري في روضات الجنات ، والسيد الأمين في أعيان الشيعة ، والطهراني في الذريعة وغيرها. ونحن رعاية للإيجاز وحذرا من التكرار نكتفي بنقل ما ورد في رياض العلماء بعينه :
* السيد نور الدين علي بن علي بن الحسين بن أبي الحسن
* الموسوي الحسيني العاملي الجبعي ، ثم المكي
* الفاضل العالم الجليل ، أخو صاحب المدارك
قال الشيخ المعاصر في أمل الآمل : كان عالما فاضلا أديبا شاعرا منشئا ، جليل القدر عظيم الشأن ، قرأ على أبيه وأخويه السيد محمد ( صاحب المدارك ) وهو أخوه لأبيه ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وهو أخوه لامه. وله كتاب شرح المختصر النافع أطال فيه المقال والاستدلال ، ولم يتم. وكتاب الفوائد المكية ، وشرح الاثني عشرية في الصلاة للشيخ البهائي ، وغير ذلك من الرسائل.
وقد ذكره السيد علي بن ميرزا أحمد في سلافة العصر ، فقال فيه : طود العلم المنيف ، وعضد الدين الحنيف ، ومالك أزمة التأليف والتصنيف ، الباهر بالرواية والدراية ، والرافع لخميس المكارم أعظم راية ، فضل يعثر في مداه مقتفيه ، ومحل
صفحه ۱۶
يتمنى البدر لو أشرق فيه ، وكرم يخجل المزن الهاطل ، وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل. وكان له في مبدأ أمره بالشام بحال لا يكذبه برق العز إذا شام ، ثم انثنى عاطفا عنانه وثانيه ، فقطن بمكة وهو كعبتها الثانية ، ولقد رأيته بها وقد أناف على التسعين والناس تستعين به ولا يستعين ، وكانت وفاته [ لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام ] (1) سنة 1061 (2) وله شعر يدل على علو محله. انتهى (3). وأورد له شعرا كثيرا ، منه قوله من قصيدة :
يا من مضوا بفؤادي عند ما رحلوا
من بعد ما بسويدا القلب قد نزلوا
وقوله مادحا بعض الامراء من قصيدة :
لك المجد والإجلال والجود والعطا
لك الفضل من نعمى لك الشكر واجب
أقول : وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وكنت صغير السن ، ورأيته بمكة أيضا أياما وكان ساكنا بها أكثر من عشرين سنة ، ولما مات رثيته بقصيدة طويلة ستة وسبعين بيتا ، نظمتها في يوم واحد ، وأولها :
على مثلها شقت حشا وقلوب
إذا شققت عند المصاب جيوب
صفحه ۱۷
انتهى ما في أمل الآمل (1)
وأقول : وكان له قدسسره أولاد وأحفاد يسكنون إلى الآن بمكة المعظمة ، وقد لاقيناهم بها في كل حجة وردنا بها ، ومن جملتهم : السيد علي المعاصر الساكن بمكة ، وهو من طلبة العلم ومن أهل الصلاح.
وقال الشيخ المعاصر في أمل الآمل في ترجمته : السيد علي بن السيد نور الدين علي بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ، ساكن مكة ، فاضل صالح شاعر أديب. انتهى. (2)
وأقول : ما أظنه موصوفا بغير الصلاح ، ولهذا ما عقدنا له ترجمة برأسه كما عقده الشيخ المعاصر.
وقال المولى الفاضل القمي في آخر مقدمة كتاب حجة الإسلام في شرح تهذيب الأحكام : وقد رويت هذه الكتب الشريفة الرفيعة يعني الكتب الأربعة إجازة عن السيد الجليل النبيل الفاضل الكامل العامل العالم العلامة الفهامة التقي النقي الرضي المرضي ، السيد نور الدين بن السيد علي العاملي عاملهما الله بفضله عن أخويه ... الخ.
وهذا يعطي أن نور الدين اسمه الشريف ، والحق ما أوردناه.
صفحه ۱۸
وأما كتاب الفوائد المكية : فيورد على كتاب الفوائد المدنية للمولى محمد أمين الأسترآبادي في الرد على المجتهدين والفقهاء وإثبات طريقة الأخباريين من العلماء.
وكان سماعي من المشايخ أن هذا السيد قد رأى الشهيد الثاني جده الامي في المنام في مكة المعظمة ، وهو قد أمره بعمل ذلك الكتاب. وقصة الرؤيا طويلة ، فلاحظ.
ثم ما قاله الشيخ المعاصر : من أن السيد محمد ( صاحب المدارك ) أخوه لأبيه محل نظر ، لأنه أخوه لأبويه ، كيف لا! وقد صرح الشيخ المعاصر نفسه في ترجمة صاحب المدارك : أن جده الشهيد الثاني ، ولعله سقط لفظة « وأمه » من قلم الناسخ وكان « أخوه لأبيه وأمه » فلاحظ.
وأما شرح مختصر النافع : فهو مقطوع الأول والآخر ، وقد شرح فيه من ... الخ.
[ رياض العلماء 4 : 155 158 ]
صفحه ۱۹
** الفوائد المدنية
الشواهد المكية
صفحه ۲۵
* بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمدا لله باعث النبيين وناصب الأوصياء المعصومين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى أصحاب سره وأبواب مدينة علمه الأئمة الطاهرين المطهرين الحافظين للدين.
فأقول : اني بعد ما قرأت الأصوليين على معظم أصحابهما واستفدت حقائقهما ودقائقهما من كمل أربابهما ، وتحملت الأحاديث المنقولة عن العترة الطاهرة عليهم السلام من جل رواتها العارفين بحقائقها الواصلين إلى دقائقها وأخذت علم الفقه من أفواه جماعة من فقهاء أصحابنا قدس الله أرواحهم عرضت على تلك الأحاديث قواعد الأصوليين المسطورة في كتب اصول الخاصة وكتب العامة والمسائل
** الشواهد المكية :
* بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا يليق بجلاله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
فأقول : إن الباعث على التعرض لكلام هذا الفاضل في المؤلف الذي وسمه بالفوائد المدنية في الرد على من قال بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية ليس القصد فيه إلى الجدال والتعنت أو إظهار الفضيلة ، فإنا نعوذ بالله من تصور ذلك! فضلا عن وقوعه. ولو كان سلوكه فيما سلك بيان ما اعتقده أو ظنه لم يكن لأحد عليه لوم ولا اعتراض ، لأن العلم كله في العالم كله ، وأي كلام لا يرد عليه كلام؟ وكم ترك الأول للآخر.
صفحه ۲۷
الاجتهادية الفقهية فوجدتهما في مواضع لا تعد ولا تحصى مخالفتين لمتواتراتها ، فصرفت عمري دهرا طويلا في المدينة المنورة على مشرفيها ألف صلاة وسلام وتحية في تنقيح الأحاديث وتحقيقها ، حتى فتح الله تعالى علي أبواب الحق فيما يتعلق بالاصولين وبالمسائل الفقهية وغيرهما ببركات مدينة العلم وأبوابها ،
لكنه عفى الله عنه أساء الأدب وأفحش في حق العلماء الأجلاء وعمدة الفضلاء الذين هدوا الناس بتحقيقاتهم وشيدوا معالم الدين بآثار تدقيقاتهم ، فتارة ينسبهم إلى الجهل وسوء الفهم ، وتارة إلى الغفلة وقلة التدبر ، وتارة إلى تخريب الدين واتباع المخالفين ، حتى أنه يظهر من لوازم ما نسبهم إليه خروجهم عن الدين! والإقدام على مثل هذا لا يخفى قبحه وجهل مرتكبه على ذي دين قويم وعقل مستقيم ، حتى أن المحقق نجم الدين أبا القاسم قدس الله روحه تكلم على ابن إدريس رحمه الله وأزرى عليه غاية الإزراء ، حيث إنه تعرض للشيخ الطوسي تغمده الله بالرحمة والرضوان في بعض المسائل وتكلم بما فيه نوع من إساءة الأدب ، فحصل عند المحقق من مزيد الإنكار والتعجب من مثل هذا الإقدام ما حصل. فيا ليت شعري كيف لو كان يطلع على مثل هذا الكلام من المؤلف في هذا المصنف!
فعلم أن الإقدام على مثل ذلك ما نشأ إلا من زيادة الغرور بالاعتقاد في النفس زيادة الفضل والكمال والتميز عن الغير ممن تقدم وتأخر ، وهذا لا يصدر من أهل التقوى والصلاح وممن يخاف الله في القدح في حق العلماء وهضم حالهم ونسبتهم إلى غير ما هو فيهم ، وهو أقبح قبيح في العقل فضلا عن الشرع! حتى وصل رحمه الله في كثرة افتخاره ومدحه نفسه إلى التشبث في ذلك بالمنامات الخيالية والهذيانات القشرية ، وبالغ في مدح نفسه بالمعرفة والتحقيق وعدم وصول أحد من العلماء إلى ما بلغه من التدقيق وأنه اختص من الله ومن الأئمة بما لم يحصل لأحد غيره وتعوذ باعتقاد امور خارجة عما علم ضرورة من دين الشيعة ، لأنها لم يسبق لأحد قبله القول بها ، بل بعضها مما اتفق عليها المخالف والمؤالف وهي واضحة الفساد ، لكن ربما إذ رآها جاهل أو غافل اعتقدها حقا ، فساء ظنه بالسلف واعتقد أنهم مضوا على الخطاء والغفلة ، بل ربما تغير اعتقاده في هذا المذهب حيث إن جلة علمائه كانوا على غير الصواب ولم يوفقهم الله للخروج عن هذه الضلالة!
فلزم علينا عند ذلك أن تتبعنا ما تيسر تتبعه وأجبنا عنه بمؤلف سميناه ب « الشواهد المكية في مداحض حجج الخيالات المدنية » ولا نبرئ أنفسنا عن الخطاء والزلل في القول والعمل ، والله
صفحه ۲۸