في الذهن معقول هو مدرك قصدا ملحوظ في ذاته، يصلح أن يحكم عليه وبه، ومعقول هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره، فلا يصلح لشيء منهما. فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهومية ملحوظا في ذاته، ولزمه تعقل متعلقه إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء فقط، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضم كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه، وهذا هو المراد بقولهم: إن للاسم والفعل معنى كائنا في نفس الكلمة الدالة عليه. وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة مثلا، وجعله آلة لتعرف حاليهما، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن يتعقل 6/ب إلا بذكر متعلقه بخصوصه، ولا أن يدل عليه إلا بضم كلمة دالة على متعلقه بخصوصه. والحاصل، أن لفظ (الابتداء) موضوع لمعنى كلي، ولفظة (من) موضوعة لكل واحد من جزيئاته المخصوصة المتعلقة، من حيث إنها حالات لمتعلقاتها، وآلات لتعرف أحوالها، وذلك المعنى الكلي يمكن أن يتعقل قصدا، ويلاحظ في حد ذاته فيستقل بالمفهومية، ويصلح أن يكون محكوما عليه، وبه، وأما تلك الجزيئات فلا تستقل بالمفهومية، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها، أو بها، إذ [1/ 181]
لا بد في كل منها أن يكون ملحوظا قصدا، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه وبين غيره، بل تلك الجزيئات لا تتعقل إلا بذكر متعلقاتها، لتكون آلات، لملاحظة أحوالها، وهذا هو المراد بقولهم: إن الحرف يدل على معنى في غيره. وإذا عرفت هذا، علمت أن المراد بكينونة المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية، وبكينونة المعنى، في نفس الكلمة، دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضم كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية. فمرجع كينونة المعنى في نفسه وكينونته في نفس الكلمة الدالة عليه إلى أمر واحد وهو، استقلاله بالمفهومية.
ففي هذا الكتاب، الضمير المجرور في (نفسه)، يحتمل أن يرجع إلى (ما) الموصولة التي هي عبارة عن الكلمة وهذا هو الظاهر، ليكون على طبق ما سبق في وجه الحصر من كينونة المعنى في نفس الكلمة، ويحتمل أن يرجع إلى المعنى تنبيها على صحة إرادة كلا المعنيين، ولكن عبارة (المفصل) ظاهرة في المعنى الأخير، وهو إرجاع الضمير إلى المعنى، لعدم مسبوقيتها بما يدل على اعتبار كينونة المعنى في نفس الكلمة/7/أ، ولهذا جزم المصنف هناك برجوعه إلى المعنى.
ومما سبق من التحقيق ظهر أنه لا يختل حد الاسم جمعا، ولا حد الحرف منعا بالأسماء اللازمة الإضافة، مثل: (ذو وفوق، وتحت، وقدام، وخلف).
صفحه ۱۷۱