وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو، الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق وصنف في ذلك كتاب «أفعال العباد» مجلد فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم، وأبي بكر الأعين وغيرهم، ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية، والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه، وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب، ولا التعدد، بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور وألوان، تركها والله من حسن الإيمان وبالله نتأيد (11/ 509).
* * *
الجاحظ
أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب، البصري، المعتزلي، العلامة المتبحر ذو الفنون، صاحب التصانيف (11/ 526).
عن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي.
قلت: كان ماجنا قليل الدين له نوادر.
قال المبرد: دخلت عليه.
فقلت: كيف أنت؟
قال: كيف من نصفه مفلوج، ونصفه الآخر منقرس؟ لو طار عليه ذباب لآلمه، والآفة في هذا أني جزت التسعين، وقيل: طلبه المتوكل.
فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل ولعاب سائل.
قلت: كان من بحور العلم وتصانيفه كثيرة جدا، قيل: لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته حتى أنه كان يكتري دكاكين الكتبيين ويبيت فيها للمطالعة وكان باقعة في قوة الحفظ.
صفحه ۶۶