كان يقرئ الناس علانية بحرفة بالبصرة في أيام ابن عيينة وابن المبارك ويحيى القطان، وابن مهدي، والقاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن ويحيى اليزيدي، وسليم، والشافعي، ويزيد بن هارون وعدد كثير من أئمة الدين، فما بلغنا بعد الفحص والتنقيب أن أحدا من القراء ولا الفقهاء ولا الصلحاء ولا النحاة ولا الخلفاء كالرشيد والأمين والمأمون أنكروا قراءته، ولا منعوه منها أصلا ولو أنكر أحد عليه لنقل ولاشتهر، بل مدحها غير واحد، وأقرأ بها أصحابه بالعراق، واستمر إمام جامع البصرة بقراءتها في المحراب سنين متطاولة فما أنكر عليه مسلم، بل تلقاها الناس بالقبول، ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار، ولم يجر مثل ذلك للحضرمي أبدا حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها، ولا عرفوها، فانكروها ومن جهل شيئا عاداه، قالوا: لم تتصل بنا متواترة قلنا: اتصلت بخلق كثير متواترة، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء، أو أفادتهم ظنا فقط، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون، وليس من جهل علما حجة على من علمه وأنما يقال للجاهل: تعلم، وسل أهل العلم إن كنت لا تعلم، لا يقال للعالم: اجهل ما تعلم، رزقنا الله وإياكم الإنصاف، فكثير من القراءات تدعون تواترها وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلوا بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد لكونها تلقيت بالقبول، فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة وقراءات عديدة ومن ادعى تواترها فقد كابر الحس، أما القرآن العظيم سوره وآياته فمتواتر ولله الحمد، محفوظ من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة ولو فعل ذلك أحد عمدا لانسلخ من الدين قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]. وأول من ادعى أن حرف يعقوب من الشاذ أبو عمرو الداني، وخالفه في ذلك أئمة، وصار في الجملة في المسألة خلاف حادث والله أعلم.
* * *
من أخبار الأصمعي
الإمام العلامة الحافظ عبد الملك بن قريب الأصمعي اللغوي الأخباري، يقال اسم أبيه عاصم ولقبه قريب (10/ 175).
صفحه ۲۷