بِسْمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحِيم
الحمدُ لله وحده، وصلّى الله على من لا نبي بعده، وآله الطاهرين، وصحابته أجمعين. وبعدُ فيقول فقيرُ رحمةِ ربِّهِ، وأسيرُ وَصْمَةِ ذَهْبِهِ، محمد أمين بن عابدين: قد عَنَّ لي الكلامُ على بعضِ ألفاظٍ شاعَ استعمالُها بينَ العلماء، وهي مما في (١) إعرابه أو معناه إشكالٌ، أو خَفَاءٌ، تحلُّ العقال وتوضّح المقال، وسمَّيْتُها: الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة والله تعالى المُستعان وعليه التكلان.
منها قولهم: هَلُمَّ جَرّا فهَلُمَّ بمعنى تعالَ، وهو مركَّب من هاء التنبيه ومن (لُمَّ)، أي: ضُمَّ نَفسَكَ إلينا، واستُعملَ استعمال البسيط، يستوي فيه الواحد والجمع، والتذكير والتأنيث عند الحجازيين، كذا في القاموس (٢)، وسبقه إلى ذكره (٣) صاحب
_________
(١) من سائر النسخ، وفي الأصل: فيه.
(٢) (القاموس ١٥١ (هلمّ)، وفيه واستُعملت استعمال البسيط. أي الكلمة المفردة.
(٣) (وسبقه بذلك.
1 / 23
الصحاح (٤)، وتبعه الصغاني (٥) فقالا: تقولُ: كانَ ذلكَ عامَ كذا وهَلُمَّ جرّا، أي: إلى اليومِ. انتهى. ولا يخفى عدم جريان ما قاله في القاموس في مثل هذا. وتوقّف الجمال بن هشام (٦) في كون هذا التركيب عربيًا مَحْضًا، وساق وجوه (٧) توقفه في رسالةٍ له (٨)، وأجاب عن ذكره في الصحاح ونحوه، وذكر ما للعلماء في إعرابه ومعناه وما يردّ عليه، ثم قال: (فلنذكر ما ظهرَ لنا في توجيه هذا (٩) الكلام (١٠) بتقدير كونه عربيًا فنقول: (هَلُمَّ) هذه هي القاصرة التي بمعنى: اِئتِ وتعالَ، إلا أنَّ فيها تجوَّزَين: أحدهما: أنّه ليس المراد (٢) بالإتيان هنا المجيء الحسي بل الاستمرار على المشي والمُداومة عليه، كما تقول: امشِ [على هذا الأمر، وسِرْ] (١١) على هذا المنوال، ومنه قوله تعالى: (وانطلقَ الملأُ منهم أنِ امشُوا واصبروا على آلهتِكُم) (١٢) . فإنّ (١٣) المرادَ بالانطلاق ليس الذهاب الحسي بل انطلاق الألسنة بالكلام، ولهذا أعربوا (أنْ) تفسيرية (١٤)، وهي إنّما تأتي
_________
(٤) الصحاح (جرر) . والجوهري صاحب الصحاح إسماعيل بن حماد، ت ٣٩٣ هـ (نزهة الألباء ٣٤٤، مرآة الجنان ٢ / ٤٤٦) .
(٥) الحسن بن محمد بن الحسن، ت ٦٥٠ هـ. (معجم الأدباء ٩ / ١٨٩، النجوم الزاهرة ٧ / ٢٦) .
(٦) جمال الدين عبد الله بن يوسف، ت ٧٦١ هـ. (طبقات الشافعية ٦ / ٣٣، الدرر الكامنة ٢ / ٤١٥) .
(٧) (: وجوده.
(٨) هي المسائل السفرية والقول في (هلم جرّا) في ص ٣٢ - ٤٠.
(٩) ساقطة من ج.
(١٠) م: اللفظ.
(١١) من م والمسائل السفرية، وأخلت بها النسخ الثلاث.
(١٢) ص ٦.
(١٣) ساقطة من م.
(١٤) ينظر في (أن) التفسيرية: رصف المباني ١١٦، الجني الداني ٢٣٩، مغني اللبيب ٢٩.
1 / 24
بعد جملة فيها معنى القول، كقوله تعالى: (فأوْحَينا إليه أَنِ اصنعَ الفُلْكَ) (١٥) . والمراد بالمشي ليس المشي على الأقدام (١٦) بل الاستمرار والدوام، أي: دوموا على عبادةِ أصنامِكم واحبسوا أنفسكم على ذلك. الثاني: أنّه ليس المرادُ الطلبَ حقيقةً، وإنما المُرادُ الخبرُ (١٧)، وعبَّرَ عنه بصيغة الطلب، كما في قوله تعالى: (ولنَحْمِلْ خَطَاياكم) (١٨)، (فليمدُدْ له الرحمنُ مدًّا) (١٩) . وجرًّا: مصدر جَرَّهُ يجُرُّهُ، إذا سحبه، ولكن ليسَ المرادُ الجَرّ الحسّي بل المرادُ التعميم كما استُملَ السَّحْب بهذا المعنى، أَلا ترى أنّه (٢٠) يُقال: هذا الحكمُ مُنسحبٌ على كذا، أي: شامِلٌ لهُ. فإذا قِيلَ: (كانَ ذلكَ عام كذا وهَلُمَّ جَرّا)، فكأَنَّه قيلَ: واستمرَّ ذلك في بقيةِ الأعوام استمرارًا، [فهو مصدرٌ] (٢١) . أو: استمرَّ مستمِرًّا، على الحال المؤكدة (٢٢) . وذلك ماشٍ في جميع الصورِ، وهذا هو الذي يفهمه الناسُ من هذا الكلام. وبهذا التأويل ارتفع إشكالُ العطف فإنّ (هَلُمَّ) حينئذٍ خبرٌ، وإشكالُ التزامِ إفرادِ الضمير إذْ فاعل (هَلُمَّ) هذه مفردٌ أبدًا، كما تقولُ: واستمرَّ ذلك، أو (٢٣): استمرّ ما ذكرته) (٢٤) .
_________
(١٥) المؤمنون ٢٧.
(١٦) في المسائل السفرية: بالأقدام.
(١٧) ساقطة من ب.
(١٨) العنكبوت ١٢. وينظر: مشكل إعراب القرآن ٥٥٠.
(١٩) مريم ٧٥.
(٢٠) المسائل السفرية: إلاّ أنّه يقال.
(٢١) من المسائل السفرية.
(٢٢) في المسائل السفرية: فهو حال مؤكدة.
(٢٣) في المسائل السفرية: أي واستمر. وفي ج: ما ذكرت.
(٢٤) انتهى ما نقله المؤلف من المسائل السفرية. وينظر في (هَلُمَّ جرّا): الفاخر ٣٢، الزاهر ١ / ١٧٦، تهذيب اللغة ١ / ٤٨٧، جمهرة الأمثل ٢ / ٣٥٥، المزهر ٢ / ١٣٦.
1 / 25
ومنها قولهم: ومِنْ ثَمَّ وهي في الأصل موضوعة للمكان البعيد، وإذا وقعت في كلامهم (٢٥) يقولون أي (٢٦): ومِن هناك، أو مِن هنا، أي: ومِنْ أَجْلِ ذلكَ كانَ كذا. فإذا فَسَّروها ب (هناك) ففيه تجوّزٌ من جهة واحدة وهي استعمالها في المكان المجازي، وإذا فسَّروها ب (هنا) ففيه تجوّزان: الأول: ما ذُكر. والثاني (٢٧): كونها في القريب. ولكنّ الجمعَ بينَ تفسيرها ب (هنا) التي للقريب (٢٨)، وبين قولهم: أي من أجل ذلك، كما وقع للعلاّمة الجلال المحليّ (٢٩) في شرح جمع الجوامع (٣٠)، فيه منافاةٌ، لأنّ ذلك من إشارات البعيد، اللهُمَّ إلاّ أنْ يُقال: استُعمِلَ (هنا) في البعيد مجازًا، و(ذلك) في القريب (٣) كذلك. أو يُقالُ كما قالَ بعضُهم أشارَ أولًا ب (هنا) إلى قُرْبِ المشارِ إليه لُقرْبِ محلِّه وما فُهِمَ منه، وثانيًا ب (ذلك) إلى بُعْدِهِ باعتبارِ أنّ المعنى غير مُدْرَك حِسًّا فكأنّه بعيدٌ. وفي شرح التسهيل للدماميني (٣١) ما نَصُّهُ: (وانظر في قول العلماء: (ومن ثَمَّ كانَ كذا) هل معناه [معنى] (٣٢): (هنالك)، أي التي للبُعْد، أو معنى (هنا) التي للقُرب، والظاهر هو الثاني) . انتهى.
_________
(٢٥) م: عباراتهم.
(٢٦) ساقطة من م.
(٢٧) (ما ذكره والثاني): ساقط من م.
(٢٨) م: بهنا القريب.
(٢٩) محمد بن أحمد بن محمد، ت ٨٦٤ هـ. (الضوء اللامع ٧ / ٣٩)، حسن المحاضرة ١ / ١١٥) .
(٣٠) جمع الجوامع. في أصول الفقه، مطبوع، وهو للسبكي، ت ٧٧١ هـ.
(٣١) محمد بن أبي بكر، ت ٨٢٧ هـ. وشرح التسهيل اسمه: تعليق الفوائد على تسهيل الفوائد. (الضوء اللامع ٧ / ١٨٤، بغية الوعاة ١ / ٦٦) .
(٣٢) من م
1 / 26
ثمّ ينبغي التأمل في علاقة هذا المجاز وفي قرينته، ويمكن أنْ نجعل العلاقة المشابهة، فإنّ المعنى محلٌّ للفكر [وحده] (٣٣)، وتردده (٣٤) إليه بملاحظته المرَّة بعدَ الأخرى، كما أنّ المكانَ محلُّ الجسم (٢٥)، والقرينة استحالة كون المعنى والألفاظ مكانًا حقيقيًا. وقال بعضهم في قول ابن الحاجب (٣٦): (ومن ثَمَّ اختلف في رحمن): قوله: (ومن ثَمَّ) إشارةٌ إلى المكان الاعتباري، كأنّه شَبَّه الاختلافَ المذكور في شرط تأثير الألف والنون أنّه انتفاء (فعلانة)، أو وجود (فَعْلى) بالمكان في أنّ كلًاّ منهما منشأ أَمر، إذِ المكان منشأ النباتات (٣٧) والاختلاف المذكور يُنشئ اختلافًا آخر، وهو الاختلاف في صرف رحمن، فجعل الاختلاف المذكور من إفراد المكان إدعاءً ثم شبَّهَ المكان الاعتباري بالمكان الحقيقي لاشتراكهما في المكانية فذكر اللفظ الموضوع للمكان. انتهى. ومنها قولهم: أَيْضًا هو مصدرُ آضَ يئيضُ، واصل آضَ: أَيَضَ، ك (بَيَعَ)، تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها، قُلبتْ ألفًا. وأصل يئيضُ: يَئْيِضُ، بزنة يَفْعِل، نُقلت حركة الياء إلى الهمزة.
_________
(٣٣) من م.
(٣٤) ساقطة من م.
(٣٥) م: للجسم.
(٣٦) عثمان بن عمر الكردي، ت ٤٦٤ هـ. (الطالع السعيد ٣٢٨، الديباج المذهب ٢ / ٨٦) . وقول ابن الحاجب في شرح الرضي على الكفاية ١ / ١٥٧.
(٣٧) من
1 / 27
وأمّا إعرابُهُ فذكر ابن هشام في رسالة تعرض فيها للمسألة (٣٨): أنّ جماعةً توهموا أَنَّهُ منصوبٌ على الحال من ضمير (قال)، وأنّ التقدير: وقال أيضًا، أي: راجعًا إلى القول، وهذا لا يحسنُ تقديره إلاّ إذا كان هذا القولُ صدر من القائل بعد صدور القول السابق (٣٩) وليس [ذلك] (٤٠) بشرط، بل تقول: قلتُ اليومَ كذا، وقلت (٤٤) أمسِ أيضًا، وكتبتُ اليومَ، وكتبتُ أمسِ أيضًا. قال (٤٢): والذي يظهر لي أَنَّهُ مفعول مطلق حُذِف عامِلُه، أو حال حُذِفَ عاملها وصاحبها، أي: ارجعُ إلى الأخبار رجوعًا ولا اقتصرُ على ما قدَّمت، أو أخبر راجعًا، فهذا هو الذي يستمرُّ في جميع المواضع. ومما يؤنسك [بأنّ العامل محذوف] (٤٢) أنّكَ تقولُ: (عِنْدَهُ (٤) مالٌ وأيضًا علمٌ) . فلا يكون قبلها ما يصلحُ للعمل فيها، فلا بُدّ حينئذٍ من التقدير. واعلم أنّها إنّما تُستعمل في شيئين بينهما توافق، ويغني كلٌّ منهما عن الآخر، فلا يجوز: (جاءَ زيدٌ أيضًا) ولا (جاء زيدٌ ومضى عمرٌ وأيضًا) ولا (اختصم زيدٌ وعمرٌ وأيضًا) . انتهى ملخصًا.
_________
(٣٨) المسائل السفرية ٢٩ - ٣١.
(٣٩) بعدها في م: له.
(٤٠) من م والمسائل السفرية.
(٤١) م: وقلته.
(٤٢) أي ابن هشام في المسائل ٣٠.
(٤٣) من م.
1 / 28
ومنها قولهم: اللهُمَّ إلاّ أَنْ يكونَ كذا، ونحوه أقول: أصله: يا الله، حُذِفَ حرف النداء وعُوِّضَ عنه الميم للتعظيم والتفخيم، ولا تدخل عليها (يا)، فلا يُقالُ: (يا اللهُمَّ) إلاّ شذوذًا في الشعر، كما قالَ ابن مالك (٤٤): والأكثرُ اللهُمَّ بالتعويضِ وشَذَّ يا اللهُمَّ في قريضِ ثُمّ الشائعُ استعمالها (٤٥) في الدعاء، ولذا قال السلف (٤٦): اللهُمَّ مجمعُ الدعاء. وقال بعضهم: الميم في قول (اللهم) فيه تسعة وتسعون اسمًا من أسماءِ الله تعالى. وأوضحه بعضهم بأنّ الميم تكون علامة للجمع، لأنّك تقول: (عليه) للواحد، و(عليهم) للجمع، فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك: (ضربوا) و(قاموا) فلمّا كانت كذلك زيدت في آخر اسم الله تعالى لتشعر (٤٧) وتؤذن بأنّ هذا الاسم قد جُمعت (٤٨) فيه أسماء الله تعالى كلّها. فإذا قالَ الداعي: اللهُمّ، فكأَنّه (٤٩) قال: يا الله الذي له الأسماءُ الحُسنى. قال: ولاستغراقه أيضًا لجميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته لا يجوز أنْ يوصف لأنها قد اجتمعت فيه، وهو حجّةٌ لما قالَ سيبويه (٥٠) في منعِهِ وَصْفَهُ. انتهى.
_________
(٤٤) شرح ابن عقيل على الألفية ٣ / ١٢. وابن مالك جمال الدين محمد، ت ٦٧٢ هـ. (تذكرة الحفاظ ١٤٩١، فوات الوفيات ٣ / ٤٠٧) .
(٤٥) (: استعمالها. وينظر في (اللهم): معاني القرآن ١ / ٢٠٣، الزاهر ١ / ١٤٦، الإنصاف ٣٤١.
(٤٦) م: بعض السلف. وبعدها في: ﵏.
(٤٧) من (، م. وفي الأصل: تشعر.
(٤٨) (، م: اجتمعت.
(٤٩) من (، م. وفي الأصل: فكأّن.
(٥٠) الكتاب ١ / ٣١٠. وسيبويه أبو بشر عمرو بن قنبر، ت ١٨٠ هـ. (طبقات النحويين واللغويين ٦٦، نور القبس ٩٥) .
1 / 29
ثمّ أنّهم قد يأتون بها قبل الاستثناء إذا كانَ الاستثناءُ نادرًا غريبًا، كأنّهم لندوره استظهروا بالله تعالى في إثبات وجوده. قال بعض الفضلاء: وهو كثيرٌ في كلام الفصحاء كما قالَ المطرّزيّ (٥١) نَبَّهَ على ذلك الطِّيبي (٥٢) في سورة المُدّثر في الكشف (٥٣) بعد كلام: وأمّا نحو قولهم: (اللهُمّ إلاّ أنْ يكونَ كذا) فالفرض أنّ المستثنى مستعان بالله تعالى في تحقيقه تنبيهًا على ندرته وأنّه (٥٤) لم يأت بالاستثناء إلاّ بعد التفويض لله تعالى. انتهى. وذكر العلاّمةُ المحقِّقُ صَدْرُ الشريعة (٥٥) في أوائل كتابه: (التوضيح شرح التنقيح): أنّ الاستثناءَ المذكورَ مُفَرَّغٌ من أعمّ الظروف لأنّ (٥) المصادر قد تقع ظروفًا، نحو: آتيك طلوعَ الفجرِ، أي: وقتَ طلوعِهِ. انتهى. وأوضح ذلك العلامة بدر الدين الدمامينيّ في شرحه على المغني عند الكلام على (عسى)، عند قول المصنّف: (ولكنْ يكونُ الإضمارُ في (يقوم) لا في (عسى)، اللهُمّ إلاّ أنْ تقدّر العاملين تنازعا زيدًا) (٥٦)، فقال (٥٧): الاستثناء في كلام المصنّف مُفَرَّغٌ من الظرف، والتقدير: ولكن يكون الإضمارُ في (يقوم) لا في (عسى) كلّ وقت إلاّ وقت أنْ تُقَدِّرَ
_________
(٥١) الإِيضاح في شرح مقامات الحريري ق ١٤. والمطرزي ناصر الدين بن عبد السيد بن علي، ت ٦١٠ هـ. (معجم الأدباء ١٩ / ٢١٢، وفيات الأعيان ٥ / ٣٦٩) .
(٥٢) شرف الدين الحسين بن محمد، ت ٧٤٣ هـ. (الدرر الكا منية ٢ / ١٥٦، طبقات المفسرين ١ / ١٤٣) .
(٥٣) من ب. وفي الأصل و(وم: وفي الكشف. والكشف تفسير لكشاف الزمخشري، واسمه: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب.
(٥٤) من سائر النسخ. وفي الأصل: وإن.
(٥٥) التوضيح في حل غوامض التنقيح ١٣. وصدر الشريعة هو عبيد الله بن مسعود الحنفي، ت ٧٤٧ هـ. (مصباح السعادة ٢ / ١٩١، الفوائد البهية ١٠٩) .
(٥٦) مغني اللبيب ١٦٥.
(٥٧) شر ح الدماميني (تحفة الغريب) ٣٠٤. (٥٨٩ من (، م. وفي الأصل: ووقوع.
1 / 30
العاملين تنازعا، ووقع (٥٨) التفريغ في الإيجاب لاستقامة المعنى، نحو: (قرأتُ إلاّ يومَ كذا)، ثم حذف الظرف بعد إلاّ وأُنيبَ المصدر عنه كما في: (أَجِيئُكَ يومَ قدومِ الحاج) . واللهُمّ معترضٌ، وانظر موقعها (٥٩) هنا، فقد وقع في النهاية (٦٠) أنّها تستعمل على ثلاثة أنحاء: أحدها: أنْ يراد بها النداء المحضن كقولهم (٦١): (اللهُمَّ ارْحَمْنا) . الثاني: أنْ يذكره المُجيبُ تمكينًا للجواب في نفس السامع، يقول [لك] (٦٢) القائل: (أقامَ زيدٌ؟) فتقولُ أنتَ: (اللُهمّ لا) . والثالث: أنْ يُستعملَ دليلًا على النّدْرة وقِلّة وقوع المذكور، كقولك: (أنا لا أزورك اللهُمَّ إذا لم تدعُني) . ألا ترى أنّ وقوع الزيارة مقرونة بعدم الدعاء. وظاهر أنّ معنى الأول والثاني لا يتأتيان (٦٣) هنا، وفي تأتي الثالث في (٦٤٩ هذا المحلّ نظر. انتهى كلام الدماميني. ولعلّ وجه النظر أنّ قول ابن الأثير (٦٥) في النهاية: (ألا ترى ... الخ) يفيد أنّه لا بُدَّ أنْ يكون ما بعدها نادرًا في نفسه، وقد يُقالُ: لا يلزم ذلك بقرينة قوله: (يستعمل دليلًا على الندرة ... الخ) (٦٦)، فأفادَ أنّها تدلّ
_________
(٥٩) من (، ب، م. وفي الأصل: موقعهما. (٦٠) لم أقف على هذه الأنحاء في النهاية. وهي في شرح الأشموني ٤٥٠ عن النهاية. (٦١) من شرح الدماميني. وفي الأصل: يقول. وفي م: كقولك. (٦٢) من م وشرح الدماميني. (٦٣) م: يأتيان. (٦٤) من (، م، شرح الدمامين. وفي الأصل: وفي. (٦٥) مجد الدين المبارك بن محمد الجزري، ت ٦٠٦ هـ. (معجم الأدباء ١٧ / ٧١، إنباه الرواة ٣ / ٢٥٧) . (٦٦) في الأصل و(: على التذكرة. ما أثبتناه من ب وم.
1 / 31
على أنّ ما بعدها نادِرٌ بالنظر إلى ما قبلها وإنْ كان في نفسه غير نادر فليُتَأمَّل. ثم اعلم أنّ قوله: (ووقع (٦٧) التفريغ في الإِيجاب) فيه نظرٌ، لأنّ قول المغني: يكون الإِضمار في (يقوم) (٦٨) لا في (عسى)، معناه: لا يكون الإِضمار في (عسى) في وقت من الأوقات إلاّ في كذا. فالوقت المقدّر نكرة في سياق النفي، فالاستثناء بعدها استثناء من النفي، كما في قولك: (لا يأتينا زيدٌ إلاّ يومَ كذا)، نَعَمْ قد يعبرون بنحو قولك: (هذا ضعيفٌ إلاّ إذا حُمِلَ على كذا) فهو استثناء (٦٩) مفرّغ في الإِثبات صورة، ولكنّه في المعنى نفيٌ، لأنّ معنى ضعيف (٦) أنّه لا يُعتدُّ (٧٠) أو لا يصحُّ. وقال في المغني (٧١) في أول الباب الثامن ما نَصُّهُ: (السادسة: وقوع الاستثناء المفرّغ في الإِيجاب نحو: (وإنَّها لكبيرةً إلاّ على الخاشعين) (٧٢) و(يأبى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نورَهُ) (٧٣) [لمّا كانَ المعنى: وإنّها لا تسهل إلاّ على الخاشعين، ولا يريدُ اللهُ إلاّ أنْ يُتمَّ نورَه] (٧٤) . انتهى.
_________
(٦٧) ب: ووقوع.
(٦٨) من المغني: وفي الأصل وسائر النسخ: (يكون) .
(٦٩) ساقطة من ب.
(٧٠) م: لا يعتمد عليه مثلًا.
(٧١) مغني اللبيب ٧٥٣.
(٧٢) البقرة ٤٥.
(٧٣) التوبة ٣٢.
(٧٤) من م والمغني.
1 / 32
ومنها قولهم: لا بُدَّ من كذا أي: لا مُفارقة، وقد يُفَسَّرُ ب (وَجَبَ)، وذلك لأنَّ أصله في الإِثبات: بَدُّ الأمرَ: فرَّقَ، وتبدَّدَ: تفرَّقَ، وجاءتَ الخيلُ بَددًا (٧٥)، أي: متفرّقةً. فإذا نُفي التفرّقُ والمُفارقة بينَ شيئينِ حصلَ تلازمٌ بينهما دائمًا فصارَ أحدهما واجبًا للآخر، من ثمَّ فسّروه ب (وَجَبَ) . وبُدَّ: اسم مبني على الفتح مع (لا) النافية، لأنّه اسمها والخبر محذوف، أي: (لنا) أو نحوه، وقد يُصرَّحُ به (٧٦) . وذكر الفَنَرِيّ (٧٧) في حواشي المطوّل (٧٨): أنّ الجار والمجرور متعلّق بالمنفي، أعني بُدَّ، على قول البغداديين حيث أجازوا (٧٩): (لا طالعَ جبلًا) [بترك] (٨٠) تنوين الاسم المطول إجراءً له مجرى المضاف، والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم، وجعلوا متعلّق الظرف فيما بني الاسم فيه على الفتح كما فيما نحن فيه محذوفًا هو خبر المبتدأ، أي: لا بُدَّ ثابت لنا (٨١) . وقوله: (من كذا) خبر مبتدأ محذوف، أي: البدُّ المنفي من كذا. وهذه الجملة الاسمية المنفية لا محلَّ لها من الإِعراب، لأنّها جملة مستأنفة لفظًا. ويجوز أنْ يكون (من كذا) متعلّقًا بما دلّ عليه (لا بُدّ)، أي: لا بُدَّ من كذا.
_________
(٧٥) في الأصل: بدادًا. ينظر: اللسان والقاموس والتاج (بدد) .
(٧٦) ينظر: الزاهر ١ / ٦٢١، منثور الفوائد ٧٢، شفاء العليل في إيضاح التسهيل ٣٦٩.
(٧٧) حسن جلبي بن محمد بن حمزة الرومي الحنفي الفناري أو الفَنَري، ت ٨٨٦ هـ. (الضوء اللامع ٣ / ١٢٧، نظم العقيان ١٠٥) .
(٧٨) تنظر: حاشية الفناري ق ٢٧.
(٧٩) في الأصل: أجازوا في. وما أثبتناه من (، ب، م.
(٨٠) من سائر النسخ.
(٨١) (، م: لها.
1 / 33
وقد أشار الشريفُ (٨٢) في أواخر (بيان المفتاح) إلى أنّ الظرف في مثله خبر ل (لا) حيث قال: (في قوله: (لا تَلَقّيَ لإِشارته) أنّ (لإِشارته) ليس معمولًا للتلقي (٨٣) وإلاّ لوجب نصبه على التشبيه بالمضاف بل هو خبر (لا) فتأمّل وقسْ على ما ذُكِرَ نظائر هذا التركيب) (٨٤) . انتهى. وأقولُ: هذا ظاهرٌ فيما إذا قِيلَ: (لا بُدَّ من كذا) . أمّا إذا قيل: (لا بُدَّ لكذا من كذا) فالخبر هو الظرف الأول، إلاّ أنْ يُقال من تعدد الأخبار تأمّل. ثُم في قوله: (ويجوز أنْ يكونَ متعلِّقًا بما دلَّ عليه (لا بُدَّ)، أي: لا بُدَّ من كذا) فيه نظرٌ إذْ لا فرقَ بينَ هذا المُقَدَّر والمذكور، فلا حاجة إلى تقديره تأمّل هذا (٨٥) . ووقع في بعض العبارات: (لا بُدَّ وأَنْ يكونَ) واستعمله السَّعْدُ (٨٦) في كتبه أيضًا. وقال الفَنَريّ (٧): إنّ الواوَ مَزيدةٌ في الخبر. وقالَ بعضُ المُحَشِّين: هذه الواو للّصوق، أي: لزيادة لصوق (لا) بالخبر. انتهى. وفيه بحثٌ، فإنّ الكون المنسبك من (أَنْ) والفعل لا يصلحُ أنْ يكونَ خبرًا معنى (٨٧) . فإنْ قِيلَ: حَذْفُ الجارِّ بَعْدَ (أَنَّ) و(أنْ) مطّردٌ.
_________
(٨٢) علي بن محمد الجرجاني، ت ٨١٦ هـ. (الضوء اللامع ٥ / ٣٢٨، بغية الوعاة ٢ / ١٩٦) .
(٨٣) ب: لتلقي.
(٨٤) حاشية الفناري على المطول ق ٢٧.
(٨٥) م: إلى تقدير هذا.
(٨٦) مسعود بن عمر التفتازاني، ت ٧٩١ هـ. (الدرر الكامنة ٥ / ١١٩، بغية الوعاة ٢ / ٢٨٥) .
(٨٧) م: هنا.
1 / 34
قُلنا: إذا قُدِّرَ الجار يكون لغوًا متعلقًا بقوله (بُدَّ)، والخبر محذوف كما مرَّ. على أنّ صاحب المغني (٨٨) لا يثبت واوًا (٨٩) للّصوق، كما ذكره بعضُ الفضلاء، ورجّح أنّ الواو هنا زائدة، وهي التي دخولها في الكلام كخروجها. ورأيت في بعض الهوامش أَنَّه رُوِيَ عن أبي سعيد السِّيرافيّ (٩٠) في كتاب س (٩١) أنّه قالَ: تجيء الواو بمعنى (مِنْ)، فإنْ ثبتَ ذلك يكونُ حَمل الواو هنا عليه أَوْلى من دعوى زيادتها فليُراجع.
ومنها قولهم: كذا لغةً واصطلاحًا قال ابنُ الحاجبِ: إنَّهُ منصوب على المفعولية المُطلقة، وإنّه من المصدر المؤكّد لغيره. صرّح به في أماليه (٩٢) . وفيه نَظَرٌ من وجهين: الأول: أنّ اللغةَ ليستْ اسمًا للحدثِ. الثاني: أنّها لو كانت مصدرًا مؤكّدًا لغيره لكانتْ إنّما تأتي بعدَ الجملةِ، فإنّه لا يجوزُ أنْ يتقدَّمَ ولا يتوسط، فلا يُقال: (حقًّا زيدٌ ابني) ولا (زيدٌ حقًّا ابني)، وإنْ كانَ الزَّجّاجُ (٩٣) يجيزُ ذلك.
_________
(٨٨) مغني اللبيب ٤٠٠.
(٨٩) من سائر النسخ، وفي الأصل: واو.
(٩٠) الحسن بن عبد الله، ت ٣٦٨ هـ. (تاريخ العلماء النحويين ٢٨، الأنساب ٧ / ٣٣٩) .
(٩١) اختصار لسيبويه.
(٩٢) الأمالي النحوية ٤ / ٦١.
(٩٣) أبو إسحاق إبراهيم بن السري، ت ٣١١ هـ. (تاريخ بغداد ٦ / ٨٩، طبقات المفسرين ١ / ١٧) .
1 / 35
فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أنْ يكونَ مفعولًا لأجله، أو منصوبًا على نزع الخافض، أو تمييزًا؟ قلتُ: لا يجوز الأوّلُ لأنّ المنصوب على التعليل لا يكون إلاّ مصدرًا، ولا الثاني لوجهين: الأول: أنّ إسقاط الخافض سماعي، واستعمال مثل هذا التركيب مستمرٌّ شائعٌ في كلام العلماء. الثاني: أنّهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان (٩٤) مع وجود الخافض، كما بقي التعريف في قوله (٩٥): تَمُرُّونَ الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامُكُمُ عليَّ إذًا حَرامُ وأصله: تمرّون على الديار، أو بالديار. ولا الثالث لأنّ التمييز إمّا تفسيرٌ للمفرد ك (رطل زيتًا) أو تفسير للنسبة ك (طابَ زيدٌ نفسًا)، وهذا ليس شيئًا منهما. أمّا أنّه ليس تفسيرًا للمفرد فلأنّه لم يتقدّمْ مبهمٌ وضعًا (٩٦) فيميّز. وأمّا أنّه ليس تفسيرًا (٨) للنسبة فلأنّه لم تتقدّم (٩٧) نسبةٌ. فإنْ قلتَ: يمكن أنّه من تمييز النسبة بأنْ يُقدَّرَ مضاف، أي: تفسيرها لغةً، فيكون من باب (أعجبني [طيبُهُ] (٩٨) أبًا) .
_________
(٩٤) من م. وفي الأصل: كانت.
(٩٥) جرير، ديوانه ٢٧٨ وروايته: أتمضون الرسوم ولا تحبي. وعجز البيت ساقط من م.
(٩٦) من (، م، المسائل السفرية. وفي الأصل: وصفًا. وفي م: منهم وضعًا. وهو تصحيف.
(٩٧) من (، ب. وفي الأصل: يتقدم.
(٩٨) من (، م، المسائل السفرية.
1 / 36
قلتُ: تمييز النسبة الواقع (٩٩) بين المتضايفين (١٠٠) لا يكون إلاّ فاعلًا في المعنى. ثمّ قد يكون مع ذلك فاعلًا في الصناعة (١٠١) باعتبار الأصل فيكون محوّلًا عن المضاف، نحو: (أعجبني طِيبُ زيدٍ أبًا)، إذا كان المراد الثناء على أبي زيد، وقد لا يكون كذلك فيكون صالحًا لدخول (من) نحو: (للهِ درُّهُ فارسًا) و(وَيْحَهُ رَجُلًا)، فإنّ الدرّ بمعنى الخير، وويح بمعنى الهلاك، ونسبتهما إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله، وتعلّق التفسير بالكلمة إنّما هو تعلّق الفعل بالمفعول لا بالفاعل. فإنْ قلتَ: ما وجهُ نصبِهِ؟ قلتُ: الظاهر أنْ يكونَ حالًا على تقدير مضاف من المجرور (١٠٢) ومضافين من المنصوب. والأصل تفسيرها: موضوع أهل اللغة، ثم حُذِفَ المتضايفان (١٠٣) على حدَّ حذفهما في قوله تعالى: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرسولِ) (١٠٤) أي: أثر حافر فرس الرسول. ولمّا أُنيبَ الثالث عماّ هو الحالُ بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير. ولكَ أن تقول: الأصل موضوع اللغة، بتقدير مضاف واحد، ونسبة الوضع إلى اللغة مجازٌ. وهذا أحسنُ الوجوه، كذا حرَّرَه بعض المحققين ٠١٠٥)، وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته الموضوعة في هذه المسألة، ومَنْ أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها (١٠٦) .
_________
(٩٩) من المسائل السفرية. وفي الأصل: الواقعة.
(١٠٠) من سائر النسخ. وفي الأصل: المضافين.
(١٠١) من المسائل السفرية. وفي الأصل: بالصناعة.
(١٠٢) م: المحدود.
(١٠٣) من (، م. وفي الأصل: المضافان. (١٠٤٩ طه ٩٦. وينظر في الآية: التبيان ٩٠٢، مغني اللبيب ٦٩١.
(١٠٥) ب: الفضلاء.
(١٠٦) المسائل السفرية ٢١ - ٢٧.
1 / 37
ومنها قولهم: هو أكثرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى ونحو قولهم: زيدٌ أَعْقَلُ مِن أنْ يكذبَ وهو من مشكل التراكيب، فإنّ ظاهِرَهُ تفضيلُ الشيء في الأكثرية على الإِحصاء، وتفضيلُ زيدٍ في العقل على الكذب، وهذا لا معنى له، ونظائِرُهُ كثيرةٌ مشهورةٌ، وقَلَّ مَنْ تَنبَّهَ (١٠٧) لإِشكالها. وقد حَمَلَهُ بعضُهم (١٠٨) على أنّ (أنْ) المصدرية بمعنى (الذي)، وردّه في المغني (١٠٩) في الجهة الثالثة من الباب الخامس من الكتاب من أنّه (١١٠) لا يُعرَفُ قائل به، ووجّهه بتوجيهين نظر في كلٍّ منهما الدماميني في شرحه عليه (١١١)، ونقل عن الرضي (١١٢) (٩) وجهًا استحسنه فقال: قال الرَّضِيُّ: (وأَمّا نحو قولهم: (أنا أكبرُ مِنْ أَنْ أشعر) و(أَنْتَ أعظمُ مِنْ أنْ تقولَ كذا)، فليس المقصود تفضيل المتكلّم على الشِّعْر، والمخاطب على القول، بل المُراد: بُعدُهما عن الشعر والقول، و(أَفْعَلُ) التفضيل يُفيد بُعْدَ الفاضل من المفضول وتجاوزَه عنه، ف (مِنْ) في مثله ليست تفضيلية بل هي مثلها (١١٣) في قولك: (بِنتُ منه) (١١٤)، تعلّقت ب (أَفْعَل) التفضيل (١١٥) بمعنى: متجاوز، وبائن، بلا تفضيل. فمعنى [قولك] (١١٦): (أنتَ أَعَزُّ عليَّ
_________
(١٠٧) م والمغني: يتنبه.
(١٠٨) هو محمد بن مسعود الزكي في كتابه: البديع، كما ذكر ابن هشام في المغني.
(١٠٩) مغني اللبيب ٦٠٢.
(١١٠) م: بأنّه.
(١١١) شرح الدماميني (تحفة الغريب) ق ١٩٦ ب.
(١١٢) شرح الرضي على الكافية ٣ / ٤٥٥. والرضي الاستراباذي محمد بن الحسن، ت ٦٨٦ هـ. (مفتاح السعادة ١ / ١٨٣، خزانة الأدب ١ / ٢٨) .
(١١٣) شرح الرضي: مثل ما.
(١١٤) شرح الرضي: بنت من يزد، وانفصلت منه.
(١١٥) شرح الرضي: المستعمل.
(١١٦) من شرح الرضي.
1 / 38
مِن أنْ أضربَكَ)، [أي: بائِنٌ مِن أنْ أضربَكَ] (١١٧) من فرط عِزَّتِكَ عليَّ. وإنّما جازَ ذلكَ، لأنّ (مِنْ) التفضيلية متعلقة (١١٨) ب (أَفْعَل) التفضيل بقريب من هذا المعنى، ألا ترى أنَّكَ إذا قلتَ: (زيدٌ أفضلُ من عَمْرو)، فمعناه: زيدٌ (١١٩) متجاوزٌ في الفضل عن مرتبة عمرو (١٢٠)، ف (مِنْ) فيما نحنُ فيه كالتفضيلية، إلاّ (١٢١) في معنى التفضيل) (١٢٢) . قال: ولا مزيد عليه في الحُسْنِ (١٢٣) .
ومنها قولهم: سواءٌ كانَ كذا أَمْ كذا فسواءٌ اسم بمعنى الاستواء، يُوصف به كما يُوصف بالمصادر، ومنه قوله تعالى: (إلى كلمةٍ سَواءٍ بيننا وبينَكم) (١٢٤)، هو هنا خبرٌ، والفعلُ بعدَه، أعني (كان كذا) في تأويل المصدر مبتدأ، كما صرّح بمثله الزمخشريّ (١٢٥) في قوله تعالى: (سواءٌ عليهم أَأَنذرتَهُم أمْ لم تُنْذِرْهم) (١٢٦)، والتقدير: كونه كذا وكونه كذا سيّان.
_________
(١١٧) من م وشرح الرضيّ.
(١١٨) شرح الرضي: تتعلق.
(١١٩) ساقطة من م.
(١٢٠) (، م: مرتبته.
(١٢١) من (، م، شرح الرضي. وفي الأصل: لا.
(١٢٢) انتهى قول الرضي.
(١٢٣) شرح الدماميني ق ١٩٦ ب.
(١٢٤) آل عمران ٦٤.
(١٢٥) الكشاف ١ / ١٥١. والزمخشير هو محمود بن عمر، ت ٥٣٨ هـ. (إنباه الرواة ٣ / ٢٦٥، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ٢٥٦) .
(١٢٦) البقرة ٦. وينظر في الآية: مشكل إعراب القرآن ٧٦ والدر المصون ١ / ١٠٥.
1 / 39
وسواءٌ لا يُثنّى ولا يُجمعُ على الصحيح. ثمّ الجملة إمّا استئناف أو حال بلا واو أو اعتراض، بقي هنا شبهة وهي أنّ (أمْ) لأحد المتعدِّد، والتسوية إنّما تكونُ بينَ المتعدِّد لا بينَ أحده، فالصواب الواو بدل (أَمْ) أو لفظ (أَمْ) بمعنى الواو، وكون (أَمْ) بمعنى الواو غير معهود. وقد أشارَ الرَّضِيّ (١٢٧) إلى تصحيح التركيب بما ملخصه: أنّ (سواء) في مثله خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمران سواءٌ. ثمّ الجملة الاسمية دالة على جواب الشرط المقدّر إنْ لم تذكر الهمزة بعدَ (سواء) صريحًا كما في مثالنا، أو الهمزة و(أَمْ) مجردتان عن معنى الاستفهام مستعملتان للشرط بمعنى إنْ وأو، بعلاقة أنّ (إنْ) والهمزة يُستعملان فيما لم يتعيّن حصوله عند المتكلّم. و(أَمْ) و(أو) لأحد الشيئين أو الأشياء، والتقدير: إنْ كانَ كذا أو كذا فالأمرُ (١٠) سواءٌ، والشبهة إنّما تُرَدّ إذا جُعل (سواء) خبرًا مقدمًا وما بعده مبتدأ، كذا في حواشي المطوّل (١٢٨) لحسن جلبي الفناري، وما عزاه إلى الرضيّ ذكره الدماميني (١٢٩) عن السيرافي أيضًا. وفي حواشي الكشاف (١٣٠) للسيد الشريف: (وحكى بعضُ المحقَّقين عن أبي عليّ (١٣١ أنّ الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين بينهما واو العطف، لأنّ ما بعد كلمتي الاستفهام في مثل قولك: (أَقمتَ أم قَعَدْتَ) متساويان في عِلم المستفهِم، فإذا قِيلَ: (سواءٌ عليّ أَقمتَ أمْ قعدتَ)، فقد أُقيمتا مع ما بعدهما مقام المستويين، وهما قيامُك وقعودُك، كما أُقيم
_________
(١٢٧) شرح الرضي على الكافية ٤ / ٤٠٩.
(١٢٨) حاشية الفناري على المطول ق ١٩.
(١٢٩) شرح الدماميني ٩٢.
(١٣٠) حاشية السيد الشريف ١ / ١٥٣.
(١٣١) الحسن بن أحمد النحوي، ت ٣٧٧ هـ. (تاريخ بغداد ٧ / ٢٥٧، نزهة الألباء ٣١٥) .
1 / 40
لفظ النداء مقام الاختصاص) (١٣٢) في: أنا أفعلُ كذا أيُّها الرجلُ، بجامع الاختصاص، ثمّ ذكر ما حقّقه الرضيّ وما استدلّ به عليه، ومنه قوله (١٣٣): (ويرشدك إلى أنّ (سواء) سادٌّ مسدَّ جواب الشرط لا خبر مقدّم أنّ معنى: (سواء عليّ أقمتَ أم قعدتَ) و(لا أبالي أقمتَ أمْ قعدتَ) واحد في الحقيقة. و(لا أبالي) ليس خبرًا للمبتدأ بلِ المعنى: إنْ قمتَ أَوْ قعدتَ فلا أبالي بهما) . انتهى. وقد يأتون ب (أو) بدل (أمْ) . وفي (شرح القَطْر) (١٣٤) للعلامة الفاكهي (١٣٥) من باب العطف: (لا يعطف بأو بعد همزة التسوية للتنافي بينهما، لأنّ (أو) تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء، والتسوية تقتضي شيئين لا أحدهما، فإن لم توجد الهمزة جاز العطف بها، نصَّ عليه السيرافي في شرح الكتاب، نحو: (سواءٌ عليّ قمتَ أو قعدتَ)، ومنه قول الفقهاء: (سواءٌ كان كذا أو كذا)، وقراءة ابن محيصن (١٣٦): " أوَ لم تُنذرْهم ". وأمّا تخطئة المنصف لهم في ذلك فقد ناقشه فيها الدماميني) . انتهى. وذلك حيث قال (١٣٧) في شرحه المغني: (اعلمْ أن السيرافي قال في شرح الكتاب ما هذا نصُّهُ: و(سواء) إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت (أمْ) بعدها، كقولك: (سواءٌ عليّ أقمتَ أمْ قعدتَ)، وإذا كان بعد (سواء) فِعلان بغير استفهام كانَ عطف أحدهما على الآخر ب (أو)، كقولك: (سواءٌ عليّ قمتَ أو قعدتَ) . انتهى كلامه. وهو نصٌّ صريحٌ
_________
(١٣٢) انتهى كلام السيد الشريف.
(١٣٣) السيد الشريف في حاشية الكشاف ١ / ١٥٤.
(١٣٤) شرح القطر ٢ / ١٧٩. واسم الكتاب: (مجيب الندا إلى شرح قطر الندى) .
(١٣٥) عبد الله بن أحمد المكي، ت ٩٧٢ هـ. (النور السافر ٢٧٧، شذرات الذهب ٨ / ٣٦٦) .
(١٣٦) محمد بن عبد الرحمن السهمي المكي، ت ١١٣ هـ. (معرفة القراء الكبار ٩٨، غاية النهاية ٢ / ١٦٧) .
(١٣٧) شرح الدماميني ٩٢.
1 / 41
يقضي (١٣٨) بصحة قول الفقهاء وغيرهم: (سواء كان كذا أو كذا) (١٣٩) إلى أنْ قال: وحُكي (١٤٠) أنّ أبا عليّ الفارسيّ قال: لا يجوز (أو) بعد (سواء)، فلا يُقال: (سواءٌ علي قمتَ أو قعدتَ)، قال: لأنّه يكون المعنى: سواءٌ عليّ أحدهما، ولا يجوز (١٤١) (١١) . قلتُ: ولعلّ (١٤٢) هذا مستند (١٤٣) المصنّف في تخطئة الفقهاء وغيرهم في هذه التراكيب (١٤٤» (١٤٥) . وقد ردّ الرضي كلام الفارسيّ بما هو مذكور في شرحه للحاجبية (١٤٦) فراجِعْهُ إنْ شئتَ.
ومنها قولهم في معرض الجواب ونحوه: على أنّا نقولُ فيذكرون ذلك حيث يكو ما بعد (على) (١٤٧) قامعًا للشبهة وأقوى مما قبلها، ويسمّونه علاوة وتقريًا على ما تُشعر به (على) . ولكنْ يُقال: (على) من حروف الجر، فما معناها هاهنا (١٤٨)؟ وما متعلقُها؟
_________
(١٣٨) من ب وشرح الدماميني. وفي الأصل: يقتضي.
(١٣٩) من (، ب، م. وفي الأصل: كذا وكذا.
(١٤٠) في شرح الدماميني: وحكى الرضي أيضًا. وكلام أبي علي في شرح الكافية ٤ / ٤١٣.
(١٤١) (ولا يجوز) ليست في شرح الدماميني.
(١٤٢) من (، م، شرح الدماميني. وفي الأصل: لعل.
(١٤٣) في شرح الدماميني: هذا هو مأخذ.
(١٤٤) في شرح الدماميني: هذا التركيب.
(١٤٥) انتهى كلام الدماميني.
(١٤٦) شرح الرضي على الكافية ٤ / ٤١٣.
(١٤٧) م: ما بعدها.
(١٤٨) م: هنا.
1 / 42