فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
ژانرها
وفتحت أذني كما فتحت عيني على عبارات الحب الشديد للنبي عليه السلام وآله، فمولد النبي حفلة سنوية في البيت نترقبها نحن الصغار ونفرح بها؛ لأننا نحن القائمون بالخدمة فيها. وأسماء النبي وآله تتردد بين جوانب البيت ليل نهار؛ لأنها أسماء إخوتي أجمعين: محمد وإبراهيم والمختار ومصطفى وأحمد والطاهر ويس، وشقيقتي الوحيدة اسمها فاطمة، واسمي أنا منسوب إلى عم النبي لا إلى الأمير الأسبق: عباس حلمي الثاني كما كان يتوهم بعض معارفي؛ لأنني ولدت قبل ولايته، وأبيت في المدرسة أن ألقب بلقب «حلمي» جريا على ما تعودته المدارس في تلك الحقبة، وبقيت منسوبا إلى اسم «محمود » وهو كذلك من أسماء النبي، ولم يكن لأبي إخوة، وإنما كانت أختاه الشقيقتان تسميان باسم نفيسة واسم زينب، وأولادهم ينادون بالأسماء التي تغلب عليها هذه النسبة الشريفة.
ورثت هذا الحب الشديد للنبي وآله عليهم سلام الله ورضوانه، وليس هذا الحب الشديد بالمستغرب من أهل السنة؛ لأنهم يدينون بدستور السنة النبوية، ولكنه كان في بيتنا أشبه بالعاطفة النفسية منه بالآداب المذهبية، فاستفدت منه كثيرا في دراسة تاريخ الإسلام.
استفدت منه أنني كنت شديد التريث في سماع كل دعوى من دعاوى السياسة القديمة التي كانت تقوم على إنكار حق، أو إنكار فضل؛ أو إنكار نسب، أو إنكار ما من ضروب الإنكار التي تمس تواريخ أهل البيت النبوي من بعيد أو قريب.
ولم أستفد منه بحمد الله كراهية أحد ذي حق أو ذي فضل؛ لأن قداسة العظمة الإنسانية تحجب عندي جميع هذه الصغائر التي تمس تواريخ العظماء أجمعين، وولعي بدراسة تواريخ العظماء من طفولتي الباكرة عصمني بحمد الله من غوائل
2
هذا الصغار.
3
ومن أثر هذه الوراثة في ذهني أنني لم أصدق ما كان في حكم الواقع المقرر عن سياسة الإمام، وأنه لم يكن له في السياسة نصيب، فبحثتها بحث الإشاعات، ولم أعطها من بادئ الرأي شأنا أكبر من الإشاعات التي تسري على الأفواه بغير دليل، أو يجيئها الدليل المختلق من صنع أصحاب المنافع والمآرب في سياسة الحاكم الغالب، فهم مدافعون عن أنفسهم باتهام الآخرين. •••
ومن أثر هذه الوراثة في ذهني أنني قارنت سير العظماء الإسلاميين و«النبويين» لأرضي ذهني، ولم يقنعني أن أرضى بها عاطفة لا أستمد من ذهني شواهدها وآياتها؛ فعظماء الإسلام عندي أعلام إنسانية باذخة تخولها مكان العظمة مناقب يكبرها المسلم وغير المسلم، وليست غاية الأمر فيهم أنهم أضرحة للتبرك وتلاوة الفاتحة والسلام.
وبهذه النزعة الموروثة أطرق باب الكلام في حياة الزهراء؛ فإنها - سلام الله عليها - قد تكتب لها ترجمة لأنها بنت محمد، أو تكتب لها ترجمة لأنها زوج علي، أو تكتب لها ترجمة لأنها أم الحسن والحسين وبنيهما الشهداء، ولكنها مع هذه الكرامة قد تكتب لها ترجمة لأنها هي فاطمة؛ ولأنها هي مصدر من مصادر القوة التاريخية التي تتابعت آثارها في دعوات الخلافة من صدر الإسلام إلى الزمن الأخير. •••
صفحه نامشخص