فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
ژانرها
ولقد تمت البيعة على الوجه الذي عرفه التاريخ، فإن يكن هناك جدال فلا جدال بين المنصفين في فضل الأئمة الذين أدركوا الفتنة قبل مسعاها من السقيفة ومسعاها من دار أبي سفيان، ولا جدال بين المنصفين فيما ابتغوه من خير وحكمة، فما ابتغى أبو بكر ولا عمر ولا أبو عبيدة نفعا لأنفسهم، وما قصروا بعد يوم البيعة في نصرة دينهم، وما كان في وسع أحد أن يبلي أجمل من بلائهم في دفع الغائلة عن الإسلام من فتنة الردة ومن غارة الفرس والروم، ولا أن يفتح للإسلام في العراق والشام وفارس ومصر فتحا أعظم وأقرب مما فتحوه.
وآمن علي بحقه في الخلافة، ولكنه أراده حقا يطلبه الناس ولا يسبقهم إلى طلبه، ولم تمنعه البيعة لغيره أن يعينه بالرأي والسيف ويصدق العون لأبي بكر وعمر كأنه في عون رسول الله وهو بقيد الحياة.
وقد اختلف الصديق والفاروق والإمام يوما أو أياما بعد وفاة النبي عليه السلام، فمن شاء فليأخذ بحجة هذا ومن شاء فليأخذ بحجة ذاك، ولكن الحجة الناهضة لهم جميعا أنهم لم يكدحوا لأنفسهم ولا لذويهم، ولم يقفوا دون الغاية في خدمة دينهم، ولم يحي أحد منهم حياة تريب في صدقه وصدق طويته وحسن بلائه، وما مات أحد منهم وله من الدنيا نصيب يأسى عليه.
وكانت السيدة فاطمة ترى حق علي في الخلافة، أو ترى أن قرابة النبي أحق المسلمين بخلافته، وأن بلاء علي في الجهاد وعلمه المشهود به يؤهلانه لمقام الخلافة. وكان هذا رأي طائفة من الصحابة الصالحين أدهشهم أن يجري الأمر على غير هذا المجرى، فاجتمعوا عندها واجتمعوا في غير بيتها يتشاورون فيما بينهم، أيبايعون أم يتخلفون، ولم نطلع على رواية واحدة ذات سند يعول عليه ترمي أحدهم بشق عصا الجماعة أو بالسعي في تأليب الناس على نقض البيعة. وبعد مساجلات بينهم وبين أبي بكر وعمر سفرت الفتنة عن مقصدها وتكشفت الدسيسة التي بيتها أبو سفيان، فقد عاد أبو سفيان يعرض مبايعته على علي ويتحفز للوقيعة. فصده علي وعرض له بذكر الغششة والمخادعين، ثم قال له: «إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه»، فلما يئس من هذا الباب طرق بابا آخر لعله يلج منه إلى مأربه، وذهب إلى العباس يقول له: «امدد يدك يا أبا الفضل أبايعك فلا يختلف عليك القوم». ثم يقول: «إنك والله لأحق بميراث ابن أخيك»، فيرده العباس كما رده علي، ويكاد الخلاف ينتهي عند هذا وينطوي بانطواء الكلام في مسألة الخلافة، لولا مسألة «فدك» أو مسألة الميراث التي اختلف فيها سند أبي بكر وسند فاطمة مرة أخرى، وأوشك أبو بكر أن يستقيل المسلمين من بيعتهم، مخافة السخط من بنت رسول الله.
وخلاصة الحديث في أمر «فدك» أنها قرية كان النبي يقسم فيئها بين آل بيته وفقراء المسلمين، فلما قضى عليه السلام أرسلت فاطمة إلى أبي بكر تسأله ميراثها فيها وفيما بقى من خمس خيبر! فقال أبو بكر: «إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كان يقول: «إننا معشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة». وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها» ويقال: إن الزهراء احتجت عليه بقوله تعالى عن نبي من أنبيائه - زكريا - «يرثني ويرث من آل يعقوب» وقوله تعالى: «وورث سليمان داود». وإن أبا بكر قال لها: «يا بنت رسول الله! أنت عين الحجة ومنطق الرسالة، لا يد لي بجوابك، ولا أوقعك عن صوابك، ولكن هذا أبو الحسن بيني وبينك، هو الذي أخبرني بما تفقدت، وأنبأني بما أخذت وتركت.»
وجاء في شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة «إن أبا بكر قال: يا ابنة رسول الله! والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما وإنه قال: إن الأنبياء لا يورثون. فقالت: إن فدك وهبها لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال: فمن يشهد بذلك؟ فجاء علي بن أبي طالب فشهد، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضا، فجاء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف فشهدا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
صفحه نامشخص