فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
ژانرها
من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده وقبلتها، فدخلت عليه في مرضه الذي توفى فيه، فأسر إليها فبكت، ثم أسر إليها فضحكت، فقلت: كنت أحسب لهذه المرأة فضلا على النساء فإذا هي واحدة منهن، بينما هي تبكي إذا هي تضحك. فلما توفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
سألتها فقالت: أسر إلي فأخبرني أنه ميت فبكيت، ثم أسر إلي إني أول أهل بيته لحوقا به فضحكت».»
وما قالته السيدة عائشة عن المشابهة بين الزهراء وأبيها قيل على ألسنة الثقات جميعا، ويزاد عليه في حديث السيدة عائشة أن امرأة في فضلها واعتزازها بنفسها كانت ترى للزهراء فضلا على سائر النساء في حلمها ورصانتها. ففيم يكثر الخلاف على مثل ذلك النصيب من البلاغة إذا نسب إليها؟ ولماذا تستعظم البلاغة على من نشأت سامعة لحديث محمد مطبوعة على مشابهته في حديثه؟ ولماذا تستعظم على زوجة الإمام الذي كان المتفقون على بلاغته أكثر من المتفقين على شجاعته، وهي مضرب الأمثال؟ ولماذا تستعظم على سامعة القرآن الكريم بالليل والنهار مع الذكاء واللب الراجح؟
أما نسبة الشعر إلى الزهراء فالخطب فيه أهون من ذلك، فهو لا يسلكها في الشاعرات إن ثبت، ولا يضيرها إن لم يثبت، ونحن إلى جانب الشك الكبير فيه أقرب منا إلى جانب القبول، وليس بعيدا على غير الشاعر أو الشاعرة أن يدير في فمه أبياتا يحكي بها حزنه وبثه، فإن النظم هنا أقرب إلى لغة العاطفة وعادة النحيب، ولكن السيدة فاطمة كان لها من الاعتبار بآيات من القرآن في مقام الموت غني عن نظم الأبيات أو التمثل بها في مقام العبرة والرثاء.
الفصل الخامس
في الحياة العامة
مضت السنون والسيدة فاطمة على دأبها الذي عهدناه عاكفة على بيتها، تزيدها عكوفا عليه تربية الأبناء وخدمة البيت التي تنفرد بها ولا تجد معينا عليها في كثير من الأيام غير زوجها.
ثم توفي النبي صلوات الله عليه، فأقامتها الحوادث فجأة على غير مرادها في معترك الحياة العامة أو الحياة السياسية كما نسميها في أيامنا، ولم يكن لها منصرف عن ذلك المعترك في تلك الآونة؛ لأن الخلاف فيها كان خلافا على ميراث أبيها، ميراث الخلافة، وميراث التركة القليلة التي أعقبها.
ومسألة الخلافة في يوم وفاة النبي إحدى المسائل التي طال فيها الجدل، ولا يعسر على المنصفين أن يخرجوا من ذلك الجدل الطويل على رأي متفق عليه، وذاك أن الخطر الأكبر في ذلك اليوم إنما كان من فتنة السقيفة: سقيفة بني ساعدة، حيث اجتمعت قبائل الخزرج بزعامة شيخها سعد بن عبادة، تطلب الإمارة، ثم نصح لهم عويم بن ساعدة باختيار أبي بكر للخلافة، فأعرضوا عنه ونبذوه، ثم خطر لذي رأي منهم أن يقسمها شطرين: أمير من الأنصار وأمير من المهاجرين، وما برح سعد بن عبادة على جلالة شأنه في قومه نافرا من البيعة لأبي بكر بعد انعقادها وهو يأبى إلا أن «يستبد الأنصار بهذا الأمر دون الناس؛ فإنه لهم دون الناس». ثم أصر على إبائه حين انفض جمع السقيفة وجاءه الرسل يدعونه للمبايعة فعاوده الغضب وقال لهم: «أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي»، وناشدوه أن لا يشق عصا الجماعة فعاد يقول: «إني ضاربكم بسيفي ما ملكته يدي، مقاتلكم بولدي وأهل بيتي ومن أطاعني من قومي. وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي.»
صفحه نامشخص