على أن هذا القلم يلزم الأدب لذكره - أعلاه الله - فينكس رأسه، ويقبل بين يديه كما يقبل حامله الأرض قرطاسه. ولست ببعيد في تقييد هذه المفاخر، وتشييد هذه المآثر من رجال الطعن والضرب الذين فتحوا بين يديه وأوجبوا الحق عليه، بل حقي من حقوقهم أوجه وأوجب، وقلمي من سيوفهم أضرى وأضرب، ومن رماحهم أخطى وأخطب، ومن سهامهم أنجى وأنجب، ومن قسيهم أكسى وأكسب، ومن جيادهم أسرى وأسرب. ومدارى من نقعهم أغلى وأغلب، وقرطاسي من راياتهم أجلى وأجلب. وسيوفهم قد أغمدت وجردت منه مالا يغمد ولا يعمد، وآثار السيف من الجراح قد رقأ دمها، وآثاري من الذكر لا تخمل ولا تخمد.
وما السيف أسوى ضربة من لسانيا
فكل أثر خبر به غيري يموت الخبر بموته، وينقطع صيت الأثر بانقطاع صوته، والذي أخبر أنا به عنه روض يزهو إذا أقلعت الأيام سحبت، ونجم يبدو إذا أفاض الشفق على فضة النجوم ذهبا، فهو قول يذكر وينسى كل فعل وفاعله، لا قول يؤثر مهما عاش اليوم عالمه ثم لا يأتي في غد إلا جاهله. فهذه الكتب تهب الأعمار الثانية. وتفاخر الألسنة القائلة بها الأيدي الكاتبة البانية.
فانظروا إلى إيوان كسرى وسينية البحتري في وصفه، تجدوا الإيوان قد خرت شعفاته، وعفرت شرفاته، وتجدوا سينية البحتري قد أبقى بها اسم كسرى في
ديوانه. أضعاف ما بقي شخصه في إيوانه، وإنما نراوح بين الأوصاف الغادية، ونناوب بين السمات السامية، للإشارة إلى من ينبه على مسماه، وينوه بسيماه.
فأما من يقول الله لاسمه أنت من معقبات حمدي ويقول الدهر لذكره أنت الباقي من بعدي فإنما يلزم الأدب بوصف فضله العظيم، ويرفع قدر القول بفضل وصفه الكريم.
ويسر الله هذه الفتوح وأنزل بها الملائكة والروح، في أيام سيدنا ومولانا الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أبي العباس أحمد بن الإمام المستضيئ بالله أبي محمد الحسن بن الإمام المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن الإمام المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن الإمام المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن الإمام المقتدى بالله عبد الله بن الذخيرة محمد بن الإمام القائم بأمر الله عبد الله بن الإمام القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن الإمام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق بالله أبي أحمد طلحة بن الإمام المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن الإمام الرشيد بالله أبي جعفر هارون بن الإمام المهدي بالله أبي عبد الله محمد بن الإمام المنصور أبي جعفر
1 / 40