الآخرة كسبه. والكفار قد خشنت عرائكهم واتسعت ممالكهم، واستبصروا في الضلال، واستبضعوا للقتال، وخرجوا من ديارهم يخطبون غاشية الموت، ونفروا من وراء البحر يطلبون أمامهم من البرناشية الصوت.
وقاتلوا جندا ورعية، واستباحوا الأنفس متورعين فلا ترى أعجب من أن ترى استباحة ورعية (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون) وأمدهم في طغيانهم يعمهون، ورفعوا التكليفات فلا ينزع الحديد لوضوء ولا مسح، واستشعروا لبوس البوس فلم يلبسوا وجها إلا مزرور الشفاه على القلوب بلا شر ولا مزح. شقرا كأنما لفحت النار وجوههم (وهم فيها كالحون)، زرقا كأنما عيونهم من حديدهم فهم بقلوبهم وعيونهم يكافحون، قد نزع الله الرقة من قلوبهم، ونقلها إلى غروبهم، وعذب بهم لما يريده من تعذيبهم، واشتعلت نار جهلهم في فحم ذنوبهم، تستعيذ
المردة من مردتهم ويدعى للنار بالعون على الاطلاع على أفئدتهم.
فظاظ غلاظ، جهنميون كلامهم شرر وأنفاسهم شواظ، (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أولئك هم الغافلون). خلق الله الخلق من طين وخلقهم من حجارة، فهم المكنى عنهم بوقود جهنم حين قال (وقودها الناس والحجارة). وإلا فالحجارة لا تستحق الوقود، إلا أن يراد بها القلوب التي هي كالجلمود في الجمود.
ومضت ملوك الإسلام، ومضت أيامهم كالبارق وأن لم يخلع الإظلام، وزادت أيامهم الأيام خيالا فتنازع الناس طرائف الأحلام. وحابوا هذا العدو الكافر فما اثروا فيهم، وكانوا محاربين كمسالمين وبذلوا جهدهم فلا تقول أنهم مظلومون بالعجز وما نسميهم ظالمين.
اللهم غفرا (لكل أجل كتاب) و(كل يوم هو في شأن) ولكل مقدور أجل، ولكل ما خلق له تيسير. ولكل ما تقدم الكتاب الموقوت تأخير، والأيام تمخض وتمطل بالزبدة، والسور تتلى إلى أن تأتي بالسجدة، والناس يريدون الخروج ولكن ما اعدوا له عدة، والعذر على كل لسان لكل قوم مدة.
إذا عجزوا قالوا مقادير قدرت ... وما العجز إلا ما تجر المقادير
وأبى الله من يقبل عذرا صحيحا، وكفى بلفظة النبوة لوما صريحا.
فلما أراد الله الساعة التي جلاها لوقتها؛ وأظهر الآية التي لا أخت له؛ فنقول: فهي أكبر من أختها؛ أفضت الليلة الماطلة إلى فجرها، ووصلت الدنيا الحامل إلى تمام شهرها. وجاءت بواحدها الذي تضاف إليه الأعداد، ومالكها الذي له السماء خيمة والحبك أطناب والأرض بساط والجبال اوتاد، والشمس دينار والقطر دراهم والأفلاك خدم والنجوم أولاد (صلاح الدنيا والدين). ومهما دعونا له فإن الله قد سبق إليه كونا، ورأينا بين منانا
1 / 38