وافتتحت في بشرى الفتح بكتاب الديوان العزيز، وأوردت المعنى البليغ في اللفظ الوجيز. ووشحت ووشعت، وشعبت وأشبعت. وأطلت وأطبت، وصبت وأصبت، وأعجزت وأعجبت، وأطريت وأطربت. وأبعدت وأبدعت، ورصعت وصرعت. وطابقت وجانست، ووافقت وأنست.
وبينت فضل عصر الإمام على الاعصار السابقة، بالأبصار الصادقة. وأن هذا الفتح ادخره الله لزمانه، ومكن منه لمكانه، وسلط عليه بسلطانه، وحسنه لنا بإحسانه. وقد عبرت القرون الماضية على حسرته، وظفر هو وأشياعه بمسرته. وما حصل لنا إلا ببركة أيامه، وحركة اعتزامه. وذكرت من هذا كل ما راق وشاق، ونور الآفاق. وأن هذه الفتوح تفوح بأرج نشره، وتحيا بحيا بره. فما أيمن أيامنا بأيامه، وما أسعد آمالنا بإنعامه.
وكتبت إلى كل ذي طرف بمعنى طريف، ولفظ فثيح حصيف وسهرت تلك الليالي حتى نظمت اللآلى، وحليت المعالي، وقرحت المعادي وفرحت الموالي. وسارت شواردي إلى المشرق والمغرب، معربة عن هذا الفتح المعرب عن النصر المذهب. وبشرت المسجد الحرام بخلاص المسجد الأقصى. وتلوت (شرع لكم من الدين ما وصى).
وهنأت الحجر الأسود بالصخرة البيضاء، ومنزل الوحي بمحل الإسراء، ومقر سيد المرسلين وخاتم النبيين بمقر الرسل والأنبياء. ومقام إبراهيم بموضع قدم محمد المصطفى صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وأدام أهل الإسلام بشرف بيتيه مستمتعين.
وتسامع الناس بهذا النصر الكريم، والفتح العظيم، فوفدوا للزيارة من كل فج عميق، وسلكوا إليه في كل طريق، واحرموا من البيت المقدس إلى البيت العتيق، وتنزهوا من أزهار كراماته في الروض الأنيق.
ذكر ما جرت عليه حال الفرنج في خروجهم من القدس
وشرع الإفرنج في بيع الامتعة، واستخراج ذخائرهم المودعة. وباعوها بالمجان في سوق الهوان، وتقاعد الناس بهم فابتاعوها بأرخص الأثمان. وباعوا بأقل من دينار كل ما يساوي أكثر من عشرة، وجدوا في ضم ما وجدوا من أمور لهم منتشرة. وكنسوا كنائسهم، وأخذوا منها نفائسهم. ونقلوا منها الذهبيات والفضيات من الأواني والقناديل، والحريريات والمذهبات من الستور والمناديل. ونقضوا من الكنائس الكنائن، واستخرجوا من الخزائن الدفائن. وجمع البطرك الكبير كل ما كان على القبر من صفائح التبر ومصوغات العسجد ومصنوعات اللجين، وجمع
ما كان في قمامة من الجنسين والنسجين.
فقلت للسلطان هذه أموال وافرة، وأحوال ظارة، تبلغ مائتي ألف دينار، والأمان على أموالهم لا أموال الكنائس والاديار. فلا تتركها في أيدي هؤلاء الفجار، فقال إذا
1 / 75