دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة
وكتب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الأقطار والبلاد، يستدعي من جميع الجهات جموع الجهاد، وأهل للاستدعاء أهل الاستعداد، واستحضر الغزو، من الحضر والبدو.
وبرز من دمشق يوم السبت مستهل المحرم قبل استنجاد الجنود، واستحشاد الحشود، واصحار الأسود، وإحضار البيض والسود، مضيء العز، ماضي العزم، صائب السهم، نائب الفهم، ثابت السعود كابت الحسود، وخيم على قصر سلامة من بصرى، وكفت يد رعبه الطولى من الفرنج اليد القصري، وأقام على ارتقاب اقتراب الحجاج، وقد رتب الفرنج من الأرصاد أفواجا على تلك الفجاج، لاسيما
ابرنس الكرك، فإنه كان حريصا على الدرك، ناصبا شر الشرك. نصب الشرك. فلما شم ذلك الذئب رائحة الأسد، عاود دخول حصنه حذار خروج روحه من الجسد. ووصل الحاج في أول صفر وقد قضوا حاجهم، ورضوا منهاجهم، وخرجوا عن فرضهم، ودخلوا إلى أرضهم، وفرغ القلب من شغلهم، وخف ما لزم من ثقلهم.
وانتظر السلطان وصول المستدعي، ورعى منه حصول العدد المسترعي. فأبطأ عليه وروده، واختلفت في الإسراع وعوده، فأمر ولده الأكبر الملك الأفضل نور الدين عليا؛ ولم يزل مكانه عنده عليا؛ أن يقيم على رأس الأمراء برأس الماء، وتجتمع العساكر الواصلة منه تحت اللواء.
وتقدم السلطان في أتباعه وأشياعه، إلى الكرك وضياعه، فأقام عليها يرهق ويزهق، ويحرب ويحرق، ويرعب بصاعقة بأسه ويبرق؛ حتى ألحق الموجود بالمعدوم، وأتى بالقطع على البساتين والكروم. ورعى الزروع، وعرى الدروع، واستأصل الأصول والفروع حتى أقوت من الأقوات، واستعرت الغلة بغلاء سعر الغلات. وحلت آجال الأرزاق، وانحلت عرا الارماق. وأقفر بلد الشرك، وامتلأ من الكرد والترك.
وسار إلى الشوبك فأسار به شوبا، وألحفه من عريه ثوبا. وأخلاه من زرع ونبات، وفرغه من أقوات وقوات. وأذهب ضياء تلك الضياع، وأزال بقاء تلك البقاع. وجلس الخلال، وداس الغلال. وقشر الثرى وبشره، وحشر الردى ونشره. وسلب قرار القوى وسكون مسكونها، وفجع الفرنج بكرمها وزيتونها، وقد عدم ليلها المصباح، وصباحها الإصباح.
ووصل عسكر مصر فتلقاه بالقريتين، وفرقه على أعمال القلعتين، وأقام على هذه الحالة في ذلك الجانب شهرين. والملك الأفضل ولده مقيم برأس الماء، في جمع
عظيم من العظماء. وعنده الجحافل الحافلة، والحواصل الواصلة، والعساكر الكاسرة، والقساور القاسرة. والبواتر الواترة. والخضرم الضرم، والعرمرم العرم، واللهام الملتهم.
1 / 42