فإذا اقتصدت : أي توسطت في نظر العقل ، ثم انعرجت : أي مالت فيه ، فبمقتصد : أي باقتصادها وانفراجها كائنان بمقتصد ، وبمنعرج : بكسر الصاد ، والراء ، وهو العبد المقضي عليه بها فيصير باقتصادها في نظره مقتصدا ، وبانعراجها فيه منعرجا ، كما يصير باكتمالها فيه مكتملا ، فيتعرف إليه الحق في الأحوال الثلاثة فيتعرف إليه في حال اكتمالها باسمه الجواد المنعم الكريم الغني ، وفي حال اقتصادها باسمه الحليم اللطيف ، وفي حال انفراجها باسمه القاهر العدل الحكم ، وتبدل هذه الأحوال من آثار القدر الذي استأثر الله بعلمه ، وأخفاه عن خلقه ، والواجب تسليم الأمر لمن له الخلق والأمر ، وقد حكي أن إبليس جرت بينه وبين الملائكة مناظرة بعد أمره بالسجود لآدم ، فقال أسلم أن الله خالقي وخالق الخلق ، لكن لي على حكمته أسئلة ، الأول :ما الحكمة في الخلق ، وكان عالما أن الكافر لا يستوجب إلا الألم ، الثاني : ما فائدة التكليف مع أنه لا يعود إليه نفع ولا ضر ، الثالث : هب أنه كلفني بمعرفته وطاعته ، فلم كلفني بالسجود لآدم ، الرابع : لم لعنني ، وأوجب عقابي مع أنه لا فائدة له/ ولا لغيره في السجود ، والعقوبة أعظم الضرر ، الخامس : 4 ب لم مكنني من دخول الجنة ووسوسة آدم ، السادس : لم سلطني على أولاده ، السابع : لم أمهلني لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه من سرادقات الكبرياء : يا إبليس إنك ما عرفتني ، ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض علي في شيء من أفعالي ، فإنني الله لا إله إلا أنا ، لا أسأل عما أفعل ، وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ونبه الناظم بثم على أن الانفراج متراخ عما قبله ، تفضلا منه تعالى ؛ لأن معاملته لخلقه بمقتضى رحمانيته أكثر ، ولهذا قال تعالى : [ عذابي أصيب به من أشاء ، ورحمتي وسعت كل شيء ] والإنسان يعد أيام المحنة ، ولا يعد أيام النعمة .
صفحه ۵