لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدعاء، والرجاء والإنابة; والتوكل والتوبة والاستعانة، وغاية الحب مع غاية الذل. كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره. فمن فعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثيل له، ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله. فلهذه الأمور وغيرها أخبر ﷾ أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة. هذا معنى كلام ابن القيم ﵀.
وفي الآية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب. وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يخلدون في النار، وليسوا عندهم بمؤمنين ولا كفار.
ولا يجوز أن يحمل قوله: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ١ على التائب؛ فإن التائب من الشرك مغفور له كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ ٢ فهنا عمم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق؛ لأن المراد به من لم يتب. هذا ملخص قول شيخ الإسلام٣.
قوله: "وقال الخليل ﵇: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ ٤"
الصنم
_________
١ سورة النساء آية: ٤٨.
٢ سورة الزمر آية: ٥٣.
٣ في قرة العيون: قال النووي - رحمه الله تعالى -: «أما دخول المشرك النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك. وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مصرا عليها ومات على ذلك فهو تحت المشيئة، فإن عفي عنه دخل الجنة أولا وإلا عذب في النار، ثم أخرج منها وأدخل الجنة» . اهـ. قلت: هذا قول أهل السنة والجماعة، لا اختلاف بينهم في ذلك. وهذه الآية من أعظم ما يوجب الخوف من الشرك؛ لأن الله تعالى قطع المغفرة عن المشرك وأوجب له الخلود في النار وأطلق ولم يقيد، ثم قال: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فخصص وقيد فيما دون الشرك، فهذا الذنب الذي هذا شأنه لا يأمل أن يقع فيه فلا يرجى له معه نجاة، إن لم يتب معه قبل الوفاة.
٤ سورة إبراهيم آية: ٣٥.
1 / 73