الإهداء
إلى مَن روانا من فيض حنانه، ورعانا بجميل صبره وإحسانه، إلى من آثر التعب على الراحة، والخمول على الشهرة، إلى من بذل صحته ووقته في سبيل تعليمنا.
إلى صاحب القلب الصافي الكبير، والصدر الواسع، والعلم الغزير.
هذه ثمرة من غرسكم الذي سهرتم عليه، وقطرة من عذب مائكم الذي نهلنا من معينكم.
إلى الملَّا عبد العليم الزنكي - رحمه الله تعالى -.
عربون محبة ووفاء وعرفان.
وإلى من أفنى عمره في خدمة السنة والعلم، إلى المحدث البارع، والمدقق اللامع، إلى صاحب الخلق الرفيع.
إلى العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى -
محمد وهيثم
1 / 5
مقدمة سماحة المفتي الشيخ خليل المَيْس مدير "أزهر لبنان"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
وبعد:
فإن كُتب الفقه - وعند جميع المَذَاهب - جرى التصنيف فيها على مناهج تعرف بالمتون والشروح والحواشي.
والمتون ألَّفها حُذَّاق الأئمة وكِبار الفُقهاء المعروفين بالعِلم والزُّهد والفقه والتَّفقه في الرِّواية .. وقد اشتهر أنها موضوعة لنقل أصل المذهب ومَسائل ظاهر الرِّواية غَالبًا عند فُقَهاء الحنفيَّة، وكثيرًا ما يذكر أربابُ المتون مَسْألة هي من تخريجات المشايخ المُتقدمين .. ويذكرون فيها أيضًا مَذْهب الصاحِبَين: أبي يوسف ومحمد بن الحَسَن إذا كَان رَاجِحًا ..
هذا، وكتاب "النُّقَاية" للإِمَام صَدْر الشَّرِيعة عُبَيد الله بن مَسْعُود المَحْبُوبي (٧٤٧ هـ) هُو مُخْتصر كتاب "الوِقَاية" المُنتقى مِنْ كِتاب "الهِدَاية" أحد المُتون الأربعة المُعتمدة في ضَبط مَذْهب الإِمَام أبي حنيفة ﵀، مُضافًا إليها "كَنْز الدَّقائق" للنَّسفي (٧١٠ هـ)، و"المُخْتَار" لأبي الفضل مَجْد الدِّين عبد الله بن محمود المَوْصِلي (٦٨٣ هـ)، و"مَجْمع البحْرين" لمُظَفَّر الدين أحمد بن عَليّ البغْدَادِي المَعروف بـ: (ابن الساعاتي)، (٦٩٤ هـ)، و"مُخْتَصر القُدُورِيّ" ذَائع الصيت لأبي الحسين أحمد بن مُحمَّد القُدُوري (٤٢٨ هـ).
وأشهر هذه المُتون ذِكْرًا وأقوَاهَا للاعتماد: "والوقاية" و"الكَنْز" و"مُخْتَصر القُدُوريّ"، فهي المُراد بقولهم: المتون الثلاثة …
وإِذَا أطلقُوا (المُتُون الأربعة) أرادوا هذه الثلاثة و"المُخْتَار" أو "المجمع" …
هذا، وإن كتاب "فَتْح باب العِنَاية بشرح النُّقاية" للإِمَام الفقيه الحُجَّة الحافظ عليّ بن مُحمَّد سلطان القَارِي الحنفيّ المكيّ، المتوفَّى (١٠١٤ هـ)، قد استقاه من أُمهات شُروح
1 / 7
كُتب المَذْهَب، ولَقِيَ كلٌّ مِنْ المَتن والشرح رَوَاجًا كبيرًا ولِعدة قرون لدَى عُلماءِ البِلاد التي تُعْرف سابقًا ببلاد ما وَرَاء النَّهْر …
الكتاب متنًا وشرحًا
وإنما شقَّ طريقَهُ إلى بلادنا العلَّامةُ الشيخُ عَبدُ الفَتَّاح أبو غُدَّة رَحِمَهُ الله تَعَالى، حيثُ نَشَر جزءًا من الكتاب محققًا منذ ثلاثين عامًا .. وتوقَّف عند هذا الحد … ومُنذُ ذلك التارِيخ تَشَوَّفت نفُوس العُلماء وطَلَبة العِلم الشريف لِصُدُور بقية الكِتاب، نظرًا لأسلوبه المُمَيَّز وقُرب تناول مادته.
وأخيرًا قيَّض اللهُ تَعَالى لَهُ كُلًا من الشَّابَّين الفاضلين: محمد وهيثم تميم، حيث بذلا جهدًا مُباركًا في تَحْقيقه وطبَاعتهِ، وأخرجوهُ مشكورين بهذه الحُلَّة الرائعة الرائقة.
ولَا شَكَّ أن فرحة أهل العلم قَاطبةً ستكون عظيمة عندما تَقعُ أبْصَارهم على هَذا السِّفْر النَّفِيس الذي يُعتبر بحقٍّ نموذجًا للفِقه الإِسْلامِي المُقَارن، وبخاصة بين مذْهَبَي أبي حنيفة والشافعيّ رَحِمهُما الله، مدعَّمًا بالأدلة من الكتاب والسُّنة للمَذْهبين، مع بيان وجه الاسْتِدْلَال لكل مِنْهما .. وهذا الأسلُوب الذي بَات اليوم مُفضلًا في تدريس مادة الفِقْه لدى كُلٍّ من الجَامِعات والمَعاهد الإِسْلَامِية وحِلَق العلم الشرعي الشريف.
ونرجُوه تَعَالى أن ينفعَ بهذا الكتاب أهلَ العِلم ويُجْزِلَ المثوبة للأخوين الكَريمَين: محمد وهيثم على حُسن صنيعهمَا .. في إصدَارِ هَذا الكِتاب الذي طالَ انتظارُهُ ..
والله من وراء القصد.
في بيروت
٤ جمادى الآخرة سنة ١٤١٨ هـ
الموافق له: ٧ من تشرين الأول سنة ١٩٩٧ م
وكتبه
خادم العلم الشرعي
مفتي زحلة والبقاع الغربي
مدير "أزهر لبنان"
الشيخ خليل المَيْس
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأفاض علينا سابغ النِّعَم، في الظاهر والباطن والسِّرِّ والعلن، ما عَلِمنا منها وما لم نعلم، حَمْدَه القديمَ الذي حَمِدَ بهِ نفسَه، أفضلَ الحمد وأكملَه، حمدًا يعجز العقلُ عن حصره، واللسانُ عن وصفه، وتَقْصُرُ عنه الهِمَم.
وأفضل الصلاة وأتمُّ السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للأُمم، من قيل له: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣]، ورضي الله عن أصحابه مصابيح الظُّلَم أبد الآبدين ما خطَّ قلم.
أما بعد:
فإن أولى ما صُرِفَتْ إليه نفائسُ الأيام، وأعلى ما خُصَّ بمزيد الاهتمام: الاشتغالُ بالعلوم الشرعية، ولا سيما الفقه منها، لقول النَّبي ﷺ: "مَن يُردِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّههُ في الدِّين" (^١).
فَحَرِصَ العلماءُ على تعلُّم الفقهِ وتعليمه إلى أن لَقِيَ رَواجًا واسعًا، ونشأت عنه مدارسُ متعدِّدة.
وقد مرَّ فقهنا الإسلامي الشامخ بمراحل متعددة من التدوين، وحاز قَصَبَ السَّبْق في هذا المَيدان، مذهبُ الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، على يد محمد بن الحسن الشيباني مُدَوَّن المذهب وناشره رحمهما الله تعالى.
وصُنِّف بعد كُتِب الإمام محمد تآليف عديدة: بين مختصَر ومطوَّل، ومُخِلٍّ ومُفْرِط، ومدقَّق ومُحَرَّر، وكان من أدق كتب الحنفية في نقل المذهب تخريجًا وتلخيصًا وتحقيقًا وتمحيصًا كتاب "الهداية" للإمام برهان الدين المَرْغِيناني، واختصر هذا الكتاب الإمامُ تاج الشريعة محمود المَحْبُوبي بكتاب سماه "وقاية الرواية في مسائل الهداية"، وهو أحد المتون الأربعة المعتمدة عند الحنفية، ثم جاء الإمام مُلَّا علي القاري فشرحه واستوفي مقاصده وأظهر فرائده من عيون كتب الحنفية، بكتاب سماه "فتح باب العناية"، فكان شرحه حقًّا فتحًا لباب العناية رحمه الله تعالى.
_________
(^١) أخرجه البخاري (فتح الباري) ١/ ١٦٤، كتاب العلم (٣)، باب من يُرِد الله به خيرًا (١٣)، رقم (٧١).
1 / 9
قصتنا مع الكتاب:
هذا، وقد تعرفنا على كتاب "فتح باب العناية" من الجزء المحقَّق الذي اعتنى به شيخنا العلامة عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى. وكنا حريصين على اقتناء ما يحققه أو يعتني به أو يشير إليه من كتب، لكثرة اطلاعه، وسَدَاد نُصْحه، وطول باعه، وَوَفْرَة فوائده، وغَزَارة علمه.
فقرأنا مقدمة الكتاب، وعرفنا مدى شغف شيخنا به، ومدى حرصه على إخراجه لطلبة العلم، فشُغفنا بالكتاب لشغفه، وحَرِصنا على إخراجه لحرصه، وكان هذا منذ سنة ١٩٩٠ تقريبًا، وما زلنا ننتظر الكتاب سنة بعد سنة، ولكن مشاغل شيخنا رحمه الله تعالى أحالت دون إصدار بقية الكتاب محققًا كما كان يرجو.
وفي سنة ١٩٩٢ تقريبًا عندما قمنا بخدمة كتاب "شرح شرح نُخبة الفِكَر" لمُلّا علي القاري، وترجمنا له، وقفنا على أرقام مخطوطات لـ: "فتح باب العناية" في المكتبة السليمانية، ومن حسن تقدير الله تعالى، أن يَسَّر لنا زميلًا من تركيا من زملاء الدراسة (^١)، فطلبنا إليه أن يساعدنا للحصول على مصوَّرة لهذا الكتاب النفيس، وزوَّدناه بأرقامها، فسعى جاهدًا للحصول على طَلِبَتَنَا، جزاه الله عنا كلَّ خير.
ومضت الأيام والشهور، وبعد حوالي ثمانية أشهر، بعد أن كدنا نَفْقِدُ الأمل، جاءتنا البشرى بمصوَّرة الكتاب على "ميكروفيلم"، فسُرِرنا بها أيَّما سرور وَطِرْنا بها فرحًا، ثم في سنة ١٩٩٣ يَسَّر الله لنا الحصولَ على مطبوعة باكستان من المدينة المنورة أثناء رحلة الحج.
فرأينا أن الأمور تتيسر بين أيدينا لأمر يعلمه الله سبحانه، وكتابُ شيخنا لم يخرج بعد، واشتدت الحاجة إلى إخراجه أكثر، لما له من مزيد أهمية ومزيَّة، من حيث التدليلُ على المسائل الفقهية وربطها بأصولها من الكتاب والسنة.
فكنا نودّ أن يخرج الكتاب قريبًا، تعميمًا للنفع والفائدة، فعزمنا على إخراجه، إلا أننا كنا نقدِّم رِجلًا ونؤخر أخرى، لأننا لسنا من فرسان هذا المَيدان، ولا من حمائم تلك الأفنان.
فوقعنا في حَيصَ بيصَ، بين أمرين اثنين: أن تَطُولَ مُدَّةُ إخراج الكتاب حتى يتفرع له شيخنا ﵀ ويخرج محققًا التحقيق الأمثل، أو أن يخرج الكتاب في مدة وجيزة بخُطة أقلَّ وتحقيق موجز!
_________
(^١) وهو الأخ الفاضل حكمت التركي.
1 / 10
وبقي الأمر هكذا لم يُحسم حتى كنا مرة في زيارة لأزهر بيروت عند شيخنا الفاضل سماحة مفتي البقاع الشيخ خليل المَيْس، فسَأَلَنا عن آخر ما أصدرناه من أعمال علمية، فذكرنا له أنه "شرح شرح نُخْبَة الفكر" لمُلَّا علي القاري، وما كدنا أن ننتهي من عرض الاسم عليه حتى قال الشيخ لنا: لمُلا علي كتاب في الفقه ماتع ومفيد، لِمَ لا تعملون على إخراجه؟! فأخبرناه ما نحن به من حيرة، فشجعنا على ما كنا بصدده من إخراج الكتاب بخطة صغيرة وتحقيق موجز، وقال: فليكن مقسمًا أربعة أجزاء نقرره لطلاب "الأزهر" في كل سنة جزء. فكأنها كانت الإشارة.
فأبرقنا لشيخنا الفاضل عبد الفتاح أبو غُدَّة رسالتين نستشيره بما نحن بصدده، ونستأذنه فيما نحن عازمون عليه، إلا أن الشيخ ﵀ كان مشغولًا جدًّا، بين سفر ومرض، فلم يتسنَّ له أن يردَّ علينا. فاستخرنا الله تعالى، وشرعنا فيما يَسَّرَ لنا أسبابَه، ولم نزل حريصين على معرفة رأي شيخنا رحمه الله تعالى، فأرسلنا إليه مرة ثالثة برسالة شفهية مع بعض الإخوة الذين زاروه، فكان جوابه أن بارك العمل ودعي لنا بخير، فجزاه الله عنا كل خير.
عملنا في الكتاب:
١) مقابلة مطبوعة باكستان على المخطوط، وإثبات الفوارق المُغَيِّرة للمعنى، وإسقاط الكثير مما ليس مهمًا، ويثقل الحواشي بما لا طائل تحته.
وقد عانينا في ضبط النص وترجيح الصواب عند الاختلاف كثيرًا، وكان من المرجِّحات عندنا التي تَحْسِم الخلاف بين المطبوع والمخطوط أو تصحح الخطأ في كليهما: "نصب الراية"، و"فتح القدير" - لأنه ينقل عنهما كثيرًا دون الإشارة إليهما غالبًا - وغيرهما من كتب السُّنَّة واللغة …
٢) إضافة متن "النُّقاية" في أعلى الصفحة كما مشى عليه شيخنا الفاضل عبد الفتاح ﵀.
٣) تخريج الآيات القرآنية، والقراءات أحيانًا.
٤) تخريج الأحاديث النبوية: تعهدنا ضمن خطتنا الصغيرة، أن نُخَرِّج. فقط الأحاديث التي لم يعزها مُلَّا علي لمُخَرِّج، فإذا قال مثلًا: أخرجه البخاري، لا نَرُدُّه إلى مصدره بالجزء والصفحة، أما إذا أهمله فإننا نبحث عنه ونُخَرِّجه. وقد خرَّجنا معظم الأحاديث إلا أننا لم نجد بعضها مع كثرة التفتيش وضيق الوقت (وستأتي أمثلة ذلك في: مؤاخذات على الكتاب - ص ١٣).
1 / 11
لم نُخَرِّج الآثار الواردة في الكتاب، لما في تخريجها من كبير مشقة وعَنَاء وكثير وقت، مما يؤدي إلى تأخير صدور الكتاب، وكنا قد التزمنا إخراجه ليكون مقررًا أزهريًا لسنة ١٩٩٧ - ١٩٩٨ م / ١٤١٨ - ١٤١٩ هـ.
٥) شرح غريب الألفاظ: سيجد القارئ أننا شرحنا أحيانًا بعض الألفاظ والعبارات التي لا تخفى على طلبة العلم المتمرسين، علاوة على العلماء، إلا أنها تخفى على المبتدئين. ولمَّا كان هذا الكتاب سيقرر لطلاب الثانوي الشرعيين، كانت هذه الفكرة مسيطرة على معظم عملنا.
٦) ضبط الأعلام وبعض الألفاظ: ضبطنا النَّصَّ جهدَ استطاعتنا بحيث يسَّرنا على الطالب قراءة الأعلام وبعض الألفاظ المُشكِلة بشكل صحيح خالٍ عن التحريف والغلط.
٧) تصحيح الأخطاء المطبعية والواقعة من الناسخ، وتصحيح معظم التحريف الواقع في الكتاب.
وفاتنا بعض الأشياء التي لا يمكن تصحيحها إلا بنسخة مخطوطة دقيقة موثَّقة، بخطِّ المؤلِّف أو مقابلة على نسخة المؤلف أو مقروءة عليه.
٨) التعليق على بعض العبارات، بما يحل مشكلها ويوضح غامضها.
٩) شرحنا الموازين والمعايير القديمة بالمصطلحات الحديثة: المِتْرِيَّة أو الكيلوغرامية، وذلك تيسيرًا للفهم وارتباطًا بمعطيات الواقع أكثر.
١٠) فصَّلنا فقرات الكتاب وجعلنا له علامات ترقيم.
١١) عَنْوَنَّا في بعض المواطن حيث يلزم، وجعلنا كل ما أضفناه بين حاصرتين: [].
١٢) مقدمة تعريفية بالكتاب والماتن.
منهج مُلَّا عليّ في الكتاب:
١ - اختصر مُلَّا علي "نصب الراية" عند تخريج الأحاديث وسَرْدِ الروايات، دون أن يشير إلى هذا إلا أحيانًا قليلة.
وزاد على "نصب الراية" أشياء قليلة ليست فيه، من روايات في الباب تقوِّي الاستدلال وترجح الاختيار.
1 / 12
٢ - اختصر أشياء كثيرة من "فتح القدير" و"الكفاية"، دون أن يشير إليهما، حتى إنه ينقل العبارة أحيانًا بحروفها دون زيادة أو نقصان.
٣ - أضاف تعليلات قليلة ليست في شروح "الهداية" المطبوعة بين أيدينا.
٤ - تتبع أحاديث "الهداية" في كل باب بقوله: أما قول صاحب "الهداية" كذا فكذا.
٥ - يعرض المسألة ويأتي برأي المخالف ودليله، ثم يعرض دليل الحنفية في المسألة ويناقش أدلة الآخرين، ويُرَجِّح أخيرًا ما يتبدَّى له، ويُبَيِّن وجهة نظره في هذا الاختيار.
فالحق أنه كتاب في الفقه المقارن في بعض المسائل والأبواب.
ومن المعلوم أنه لا ينقل كلام المذاهب الأخرى من كتاب في الفقه الحنفي أو الشافعي ....، ولكن تنقل أقوال المذاهب المحررة من كتب المذهب، وكذلك الأمر هنا بالنسبة لأقوال المذاهب الأخرى فهي بحاجة إلى تحرير وتأكد.
وأثناء عملنا في الكتاب تبين لنا أنه ينقل آراء الشافعية المعتمدة غالبًا، ولكن لم يتسنَّ لنا أن نتابعه في كل ما ينقل عن الشافعية حتى نتأكد من الأقوال كلها، فليُتَنَبَّه.
٦ - يناقش أقوال المذهب الحنفي ويحرر النقول بما يراه أوفق لقواعد المذهب، فتراه لا يقتنع بسهولة إلا بعد كثرة تمحيص وتفتيش ومحاورة وتدقيق.
٧ - تحقيقه للروايات الشائعة وتمحيصه لها كقصة: أن عثمان ﵁ أُرْتِجَ عليه في أول خُطبة بعد ولايته، فحقق الكلام فيها وقال بأنها غير صحيحة. انظر صفحة ٤٠٦ من الجزء الأول.
مؤاخذات على الكتاب:
١ - ومع هذا التحقيق والتدقيق من مُلَّا علي ﵀ إلا أن الله تعالى أَبَى العصمة إلا لكتابه، فإن المؤلف فاته أشياء من التحقيق كحديث: "إذا نام العبد في السجود يباهي الله ملائكته … " انظر صفحة ٦٦ من الجزء الأول فهو حديث ضعيف جدًّا.
و"كقصة الحمامة" أنها وَكَرَتْ على باب الغار عند هجرة النبي ﷺ، انظر صفحة ٩٨ - ٩٩ من الجزء الأول، فهو أشبه بأن يكون موضوعًا.
٢ - التساهل في تحرير بعض الأقوال في المذهب الحنفي والمذاهب الأخرى،
1 / 13
كمسألة العورة عند الإمام مالك …
٣ - وكعادته مُلَّا علي غالبًا ما ينقل الحديث والعبارات بالمعنى لا باللفظ.
٤ - روي أحاديث كثيرة في الكتاب فعزا معظمها إلى مُخَرِّجيها، إلا أنه ترك بعض الأحاديث بلا عزو، وهو بهذا يكون قد خالف منهجه، الذي مشى عليه. فحاولنا ما استطعنا أن نُخَرِّج ما فاته، فوُفِّقنا في كثير منها وبقي أشياء لم نعثر عليها مع شدة الحرص وكثرة البحث وضيق الوقت، مثل حديث: إجابة المؤذن عند قوله في أذان الفجر: "الصلاة خير من النوم" بـ: "صدقت وبَرِرْتَ … " فقال مُلَا علي: لورود الخبر هكذا! ولم يُصَرِّح بمن أورده. انظر صفحة ٢٠٦ من الجزء الأول.
٥ - روى كثيرة من الآثار ولم يعزها إلى مُخَرِّجيها.
ولما كانت الآثار كثيرة والعمل على عزوها مجهدًا مما يؤخرنا عن تسليم الكتاب في الموعد المطلوب ليكون مقررًا درسيًا لطلبة "أزهر لبنان"، عزفنا عن تخريجها لطبعة لاحقة إن شاء الله تعالى.
أصل الكتاب
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غُدَّة رحمه الله تعالى:
ألَّفَ أصلَ نصوصه: "المتنَ" المسمَّى "النُّقَاية" الإمام صدرُ الشريعة عُبَيْد الله بن مسعود المحبوبيُّ المتوفَّى سنة ٧٤٧ هـ. وقد اختصرَ فيه أحدَ المتون الأربعة المعتبرة عند الحنفية: "وقاية الرواية في مسائل الهداية" (^١)، الذي ألَّفَه له جَدُّه الإمامُ تاج الشريعة محمود المَحبوبي ليحفظه في أول نشأته. وقد استخلصه من مسائل كتاب "الهداية" للإمام برهان الدين المَرْغِيناني، الذي هو أجلُّ كتب الحنفية التي وصلت إلينا تحقيقًا وتمحيصًا، وأدقُّها في نقل مذاهب أئمتنا الحنفية تخريجًا وتلخيصًا.
ولما كان كتابُ "النُّقاية" ثبات كتاب "الوقاية" الذي هو لُبابُ كتاب "الهداية":
_________
(^١) قال العلامة الإمام عبد الحي اللكنوي في "الفوائد البهية في تراجم الحنفية" في ترجمة (عبد الله بن محمود المَوصلي) صاحب الاختيار شرح المختار" ص ١٠٦: "قد كثر اعتماد المتأخرين على الكتب الأربعة: المختار، والكنز، والوقاية، ومجمع البحرين. وسمَّوها المتون الأربعة المعتبرة، ومنهم من يعتمد على الثلاثة: الوقاية، والكنز، ومختصر القدوري".
وذكر اللكنوي نحو هذا في كتابه العظيم "النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير" ص ٩ - ١٠، - و"الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني - مع فوائد نفيسة لا يستغني عنها العالم الفقيه فضلًا عن المتفقه، فانظره. (انتهى تعليق الشيخ عبد الفتاح ﵀.
1 / 14
كان بحقٍّ لُبَابَ اللُّباب. ومن أَجْلِ هذا تبارى جهابذة فقهاء الحنفية في خدمته وشرحه، واستيفاءِ مقاصده وإظهار فرائده.
وكان أعلاهم في هذا المضمار كعبًا، وأبلغَهم في نيل مقصدِهِ أرَبًا: الإمامُ الفقيه المحدِّثُ الشيخ علي القاري، فقد نظَمَ في شرحه: "فتح باب العناية" المزايا المنثورةَ في كتب من تقدَّمه من الأئمة، مثل كتاب "المبسوط" للسَّرَخْسِي، و"البدائع" للكَاساني، و"الهداية" للمَرْغيناني، و"الاختيار" للمَوْصِليّ، و"تبيين الحقائق" للزيلعي، و"شرح الوقاية" لصدر الشريعة، و"العناية" للبَابِرتي، و"البناية" للعيني، و"غُنية المُتَمَلِّي" لإبراهيم الحلبي، و"حَلْبَة المُجَلِّي في شرح مُنية المصلي" لابن أمير الحاج الحلبي، و"فتح القدير" للكمال بن الهُمَام، وغيرها.
بل يمكن أن يقال: إنه لخَّص فيه كتابَ "فتح القدير" من معارك المناقشات والخلافات، ويسَّر أسلوبه، وفتَحَ عبارته، وجاء به سهلًا سائغًا عذبًا نَمِيرًا. كما أنه استخلَصَ زُبدةَ شروح و"النُّقاية" التي سبقَتْ شرحَه هذا، فكان شرحُه حقًّا: "فتح باب العناية" وأفضلَ الشروح جميعًا، كما أنه أنقاها لغة، وأسلسُهَا عبارة، وأوفاها استدلالًا، وأحسنُهَا تعليلًا، مع امتيازه - إلى هذه المزايا - بعزو الأحاديث إلى مخرِّجِيها، والأقوال إلى قائليها (^١).
لهذا كان قارئهُ لا يجد نفسَه مَحُولًا بينه وبين فهمه، كما هي الحال في جُلِّ كتب الفقه، بل إنه ليرَى هذا الكتاب وكأنه ليس فيه للغة العلمية والمصطلحات الفقهية الخاصة أيُّ نصيب. ومن أجل هذا اخترتُ خدمته وطبعه ونشره، ليكون في يد كل مسلم وشابٍّ متفقّه في دينه، حريصٍ على صحةِ عبادته وفهمِ شريعته (^٢).
هذا، وقد يظن ظانٌّ أن "النُّقاية" مختصر "الوقاية"، مشى فيه على ترتيب "الهداية"، إلا أنه يتبين عند المقابلة لمَسْرَدِ كتب كلٍّ من الكتابين أن بينهما تقديمًا وتأخيرًا في كثير من المواطن، وقد قمنا بمقابلة لمسرد كتب كلا الكتابين وإليك التفصيل في الجدول الآتي:
_________
(^١) وهذا الحكم غالبًا وليس دائمًا.
(^٢) انتهى كلام الشيخ عبد الفتاح ﵀ من مقدمته لـ "فتح باب العناية" ص ٤ - ٥.
1 / 15
جدول يُبيّنُ اختلاف ترتيب كتب "النُّقاية" و"الهداية"
فهرس كتب "النُّقاية (^١) … فهرس كتب "الهداية"
١ - كتاب الطهارة … ١ - كتاب الطهارات
٢ - كتاب الصلاة … ٢ - كتاب الصلاة
٣ - كتاب الزكاة … ٣ - كتاب الزكاة
٤ - كتاب الصوم … ٤ - كتاب الصوم
٥ - كتاب الحج … ٥ - كتاب الحج
٦ - كتاب النكاح … ٦ - كتاب النكاح
٧ - كتاب الرضاع … ٧ - كتاب الرضاع
٨ - كتاب الطلاق … ٨ - كتاب الطلاق
٩ - كتاب العتاق … ٩ - كتاب العتاق
١٠ - كتاب المكاتب … ١٠ - كتاب الأيمان
١١ - كتاب الأيمان … ١١ - كتاب الحدود
١٢ - كتاب البيوع … ١٢ - كتاب السرقة
١٣ - كتاب الشفعة … ١٣ - كتاب السِّير
١٤ - كتاب القسمة … ١٤ - كتاب اللقيط
١٥ - كتاب الهبة … ١٥ - كتاب اللقطة
١٦ - كتاب الإجارة … ١٦ - كتاب الإباق
١٧ - كتاب العارية … ١٧ - كتاب المفقود
١٨ - كتاب الوديعة … ١٨ - كتاب الشركة
١٩ - كتاب الغصب … ١٩ - كتاب الوقف
_________
(^١) الكتب الزائدة في "الهداية" هي غالبًا إما فصول أو أبواب في "النُّقاية".
1 / 16
٢٠ - كتاب الرهن … ٢٠ - كتاب البيوع
٢١ - كتاب الكفالة … ٢١ - كتاب الصرف
٢٢ - كتاب الحوالة … ٢٢ - كتاب الكفالة
٢٣ - كتاب الوكالة … ٢٣ - كتاب الحوالة
٢٤ - كتاب الشركة … ٢٤ - كتاب أدب القاضي
٢٥ - كتاب المضاربة … ٢٥ - كتاب الشهادات
٢٦ - كتاب المزارعة … ٢٦ - كتاب الرجوع عن الشهادة
٢٧ - كتاب المساقاة … ٢٧ - كتاب الوكالة
٢٨ - كتاب إحياء الموات … ٢٨ - كتاب الدعوى
٢٩ - كتاب الوقف … ٢٩ - كتاب الإقرار
٣٠ - كتاب الكراهية … ٣٠ - كتاب الصلح
٣١ - كتاب الأشربة … ٣١ - كتاب المضاربة
٣٢ - كتاب الذبائح … ٣٢ - كتاب الوديعة
٣٣ - كتاب الأضحية … ٣٣ - كتاب العارية
٣٤ - كتاب الصيد … ٣٤ - كتاب الهبة
٣٥ - كتاب اللقطة واللقيط والآبق … ٣٥ - كتاب الإجارات
٣٦ - كتاب المفقود … ٣٦ - كتاب المكاتب
٣٧ - كتاب القضاء … ٣٧ - كتاب الولاء
٣٨ - كتاب الشهادة … ٣٨ - كتاب الإكراه
٣٩ - كتاب الإقرار … ٣٩ - كتاب الحجر
٤٠ - كتاب الدعوى … ٤٠ - كتاب المأذون
٤١ - كتاب الصلح … ٤١ - كتاب الغصب
٤٢ - كتاب الحدود … ٤٢ - كتاب الشفعة
1 / 17
٤٣ - كتاب السرقة … ٤٣ - كتاب القسمة
٤٤ - كتاب الجهاد … ٤٤ - كتاب المزارعة
٤٥ - كتاب الجنايات … ٤٥ - كتاب المساقاة
٤٦ - كتاب الديات … ٤٦ - كتاب الذبائح
٤٧ - كتاب الإكراه … ٤٧ - كتاب الأضحية
٤٨ - كتاب الحجر … ٤٨ - كتاب الكراهية
٤٩ - كتاب المأذون … ٤٩ - كتاب إحياء الموات
٥٠ - كتاب الوصايا … ٥٠ - كتاب الأشربة
٥١ - كتاب الخنثى … ٥١ - كتاب الصيد
. . . . . . . . . . . … ٥٢ - كتاب الرهن
. . . . . . . . . . . … ٥٣ - كتاب الجنايات
. . . . . . . . . . . … ٥٤ - كتاب الديات
. . . . . . . . . . . … ٥٥ - كتاب المعاقل
. . . . . . . . . . . … ٥٦ - كتاب الوصايا
. . . . . . . . . . . … ٥٧ - كتاب الخنثى
1 / 18
وصف الأصول المعتمدة
١ - مطبوعة كراتشي /الباكستان، بمجلدين ضخمين من القَطْع الكبير، عدد صفحات الأول: ٧٦٧ صفحة، والثاني: ٥٦٧ صفحة.
وبهامشه "شرح النقاية" لمحمود بن إلياس بن يحيى الرومي، استفدنا منه في بعض المواطن.
طُبِعَ الأول سنة ١٣٢٦ هـ = ١٩٠٨ م، والثاني سنة ١٩٢٨ هـ = ١٩١٠ م.
جعلنا المطبوع أصلًا وقابلنا المخطوط عليه، وفي بعض الأحيان كانا يتفقان على الخطأ في موضع واحد ولفظ واحد، مما يضطرنا إلى الرجوع لمرجِّح خارجي لضبط العبارة.
٢ - مخطوطة السليمانية، وهي عبارة عن جزءين رقمها: (٥١٢)، (٥١٣).
مسطرتها: ١٥ × ٢١ سم
عدد الأسطر: ٢٥ - ٢٦
عدد الأوراق:
الجزء الأول: ٣٣٢ ق من كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الحج.
الجزء الثاني: ٣٧٦ ق من كتاب البيوع إلى آخر الكتاب.
سنة النسخ: ١١٦٠ هـ.
وبشكل عام النسخة جيدة مع ما فيها من أخطاء وأسقاط وتحريفات، وقد عانينا الكثير لضبط النص، وبذلنا جهدنا ليكون في أقرب صورة لنص المؤلف ﵀، ومع هذا بقي في الكتاب أشياء من التصحيف والتحريف لم نهتد إلى تصويبها، وقد علقنا عليها بلفظ: كذا في الأصل! مع علامة تعجب. وهي ليست كثيرة بالنسبة لحجم الكتاب، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لاستدراكها في طبعة مقبلة إن شاء الله تعالى.
٣ - مخطوطة للمتن: "النقاية"، قابلنا معظم المتن عليها وساعدتنا في تصويب بعض الأخطاء.
وهي نسخة خاصة من مكتبة شيخنا الفاضل زهير الشاويش.
مسطرتها: ٨ × ١٤ سم.
عدد الأسطر: ١١.
1 / 19
عدد الأوراق: ١٤٢ ق.
سنة النسخ: ٩٨٨ هـ.
بلد النسخ: مَرْوَ الشاهِجَان.
خطها واضح مقروء، فيها بعض التصحيفات والأغلاط، إلا أننا استفدنا منها في بعض المواضع.
٤ - "فتح القدير" لابن الهمام. كثيرا ما كنا نصوب بعض العبارات من "فتح القدير"، وذلك لأن مُلَّا علي لخص هذا الكتاب تقريبًا أثناء نقله عنه.
٥ - "نصب الراية" للزيلعي، وكذلك استفدنا منه استفادتنا من "فتح القدير".
تنبيه:
لم نترجم للعلّامة مُلَّا علي القاري - رحمه الله تعالى - هنا اكتفاءً بترجمته الواسعة التي كتبناها في مقدّمة "شرح شرح نُخْبَة الفِكَر". فانظره إذا شئت.
خبرٌ مفجع:
جاءنا خبر وفاة شيخنا الفاضل عبد الفتاح أبو غُدّة رحمه الله تعالى الأحد ٩ من شوال سنة ١٤١٧ هـ، الموافق له: ١٦ من شباط سنة ١٩٩٧ م، قبل دفع الكتاب للطباعة، فعدّلنا بعض التعليقات المنقولة عنه بالترحم عليه، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا وعن طلبة العلم والعلماء كلَّ خير، وجعله الله تعالى في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسْنَ أولئك رفيقًا.
فكم كنا نتمنى أن نبعث إليه بهذه الطبعة المتواضعة التي قمنا بخدمتها، لتكون أصلًا لعمله، وتيسيرًا لتحقيق الكتاب كما يرتضيه، ولكنه قَدَرُ الله تعالى: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون: ١١].
وكذلك كان الأمر بالنسبة لصحيح الإمام البخاري، كنا نتمنى أن نبعث إليه بنسخة اعتنينا بها وأثبتنا على صفحة الغلاف اسم الكتاب العلمي، الذي طالما تمني الشيخ أن يراه مثبت على نسخ "صحيح البخاري"، فصدرت النسخة بعد وفاة الشيخ أيضًا، ولم تكتحل عينه برؤيتهما، فإنا لله وإنَّا إليه راجعون.
كلمة شكر:
هذا، ولا يفوتنا أن نتقدم بالشكر من كل مَنْ أسهم معنا في إخراج هذا الكتاب، ونخصُّ بالذكر منهم: الحاج الفاضل: أحمد أكرم الطَّبَّاع صاحب "دار الأرقم" على ما
1 / 20
يُسديه من خدمة للتراث الإسلامي فجزاه الله خيرًا، وكذلك نشكر الإخوة - في مكتبنا - الذين بذلوا الجهد في مساعدتنا على إخراج هذا الكتاب، فكانوا كالجنود المجهولين يعملون من وراء ستار ولهم كبير الأثر والفضل، وهم:
فادي مرشود، وعثمان دياب، وأحمد اليوسف. فجزاهم الله كل خير.
وأخيرُا لا ندّعي الكمال في عملنا، ونطلب من أهل الفضل والعلم أن يزودنا بملحوظاتهم واستدراكاتهم مشكورين مأجورين، حتى نُلْحِقَهَا بالكتاب أو نضعها في أماكنها.
ونرجو ممن استفاد من عملنا المتواضع أن يخُصَّنا وشيوخَنا بدعوة صالحة في ظهر الغيب، وأن يَغُضَّ الطَّرْف عن زلاتنا وينصحَ لنا.
"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (^١).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تَتِمُّ الصالحات.
وكتبه
في بيروت
الجمعة: ١ من جمادى الثانية سنة ١٤١٨ هـ
الموافق له: ٣ من تشرين الأول سنة ١٩٩٧ م
محمد بن نزار تميم وهيثم بن نزار تميم
_________
(^١) أخرجه مسلم في صحيحه ٤/ ٢٠٧٤، كتاب الذكر والدعاء (١١)، رقم (٣٨ - ٢٦٩٩).
1 / 21
ترجمة صاحب "النُّقاية" (^١) (٠٠٠ - ٧٤٧ هـ)
عُبَيد الله صدر الشريعة الأصغر ابن مسعود بن تاج الشريعة، محمود بن صدر الشريعة أحمد بن جمال الدين عُبَيد الله المَحْبُوبي، صاحب "شرح الوقاية"، المعروف بين الطلبة بصدر الشريعة.
هو الإمام المُتَّفَق عليه، والعَلَّامة المختلف إليه، حافظ قوانين الشريعة، مُلَخِّص مشكلات الأصل والفرع، شيخ الفروع والأصول، عالم المعقول والمنقول، فقيهٌ خلافي جَدلِيّ، محدِّثٌ نَحْويّ لُغَويّ، أديب نَظَّارٌ متكَلِّمٌ منطقي، عظيم القدر جليل المَحَلِّ، غُذِّي بالعلم والأدب، وورِثَ المجد عن أبٍ فأبٍ.
أخذ العلم عن جدِّه الإمام تاج الشريعة محمود بن صدر الشريعة، عن أبيه صدر الشريعة، عن أبيه جمال الدين المحبوبي، عن الشيخ الإمام المفتي إمام زاده، عن عماد الدين، عن أبيه شمس الأئمة الزَّرَنْجَرِيّ، عن السَّرَخْسِيّ، عن الحلواني، عن أبي عليٍّ النَّسفي، عن محمد بن الفضل، عن السُّبَذْمُونِي، عن أبي عبد الله بن أبي حفص الكبير، عن أبيه، عن محمد.
وكان ذا عناية بتقييد نفائس جَدِّه وجمع فوائده. شَرَح كتاب "الوقاية" من تصانيف جده تاج الشريعة، وهو أحسن شروحه، ثم اختصر "الوقاية" وسماه "النُّقاية"، وألَّف في الأصول متنًا لطيفًا سماه "التنقيح"، ثم صنَّف شرحًا نفيسًا سماه "التوضيح"، وله "المقدمات الأربعة"، و"تعديل العلوم"، و"الشروط والمحاضر".
مات سنة سبع وأربعين وسبع مئة (٧٤٧ هـ)، ومرقده ومرقد والديه وأولاده وأجدادِ والديه كلها في شرع آباد ببخاري، وأما جَدُّه أبو أبيه تاج الشريعة وأبو والدته برهان الدين فإنهما ماتا في كَرمان ودُفِنَا فيها. كذا ذكره عبد الباقي الخطيب بالمدينة المنورة الذي يرفع نسبه إلى قاضيخان (^٢).
_________
(^١) انظر ترجمته في: الجواهر المضية ٤/ ٣٦٩، والطبقات السنية ٤/ ٤٢٩،، وتاج التراجم ص ٢٠٣، وكتائب أعلام الأخيار رقم (٥١٧)، وكشف الظنون: ص ٤١٩، ٤٩٦، ١٠٤٧، ١٢٧٠، ١٩٧١،٢٠١١، ٢٠٢١، والفوائد البهية ص ١٠٩ - ١١٢، وفيه بحث نفيس حرَّر فيه العلَّامة اللَّكْنَوِيّ الاضطراب الواقع في ترجمته. والأعلام ٤/ ١٩٧ - ١٩٨.
(^٢) انتهى بحروفه من الفوائد البهية ص ١٠٩ - ١١٠.
1 / 22
نماذج من المخطوطات
صفحة وقْفِيَّة الجزء الأول من "فتح باب العناية"
1 / 23
الصفحة الأولى من الجزء الأول من "فتح باب العناية"
1 / 24
الصفحة الأخيرة من الجزء الأول من "فتح باب العناية"
1 / 25