وهذا يبطل العمل بظاهر رواية أنس فلابد من التأويل، فيحتمل أن يريد لم يجمع وجوهه وقراءته السبع التي أنزل عليها، أولم يجمعه عنده شيئًا بعد شيءٍ كلما نزل حتى تكامل نزوله إلا هؤلاء، أولم يجمعه عنده حفظًا من رسول الله ﷺ وتلقيًا منه دون غيره.
وقد ردَّ القاضي (^١) ﵀ على من زعم ذلك، وذكر أنَّ حملته على عهد رسول الله ﷺ ونقلته كانوا على حدٍ يحصل بنقلهم القطع؛ ويستفاد منه العلم اليقين.
وشبههم بالبدور في اتساع أنوارهم وعلو شأنهم في رئاستهم كما قال الخاقاني ﵀ (^٢):
وللسبعة القرَّاء فَضْلٌ على الورى … لإقرائهم قرآنَ ربهم الوتر (^٣)
وأراد سماء المناقب العلى وتوسطها، أنهم أخذوا عن كلِّ إمامٍ مشهور مشهودٍ له بالعلم وثقاته الفهم؛ وفيه إشارةٌ إلى من لم يتوسط هذه السماء من بدور القرّاء من قبل نقلٍ، أو كمال عقلٍ، أوحسن ظنٍ، فإنَّ لهؤلاء قراءةً
(^١) إسماعيل بن إسحاق وقد تقدم.
(^٢) هو موسى بن عبيد الله بن خاقان، أبومزاحم الخاقاني، إمام مقرئ، مجود، محُدِّث، أخذ القراءة عن الحسن ابن عبدالوهاب، ومحمد بن الفرج، قرأ عليه ابن شاذان. توفي سنة خمسٍ وعشرين وثلاثمائة. غاية النهاية ٢/ ٣٢٠
(^٣) هي قصيدة في التجويد وأولها:
أقول مقالًا معجبًا لأولى الحجر … ولا فخر إن الفخر يدعو إلى الكبر
أعلِّم في القول التلاوة عائذًا … بمولاي من شرِّ المباهاة والفخر
قصيدتان في التجويد للسخاوي والخاقاني. تحقيق الدكتور عبدالعزيز القارئ.