يقدر على الحضور في خدمته ولا مشاورته إلا بعض خاصته، فبلغت سعة رحمته إلى أن جعل - في كل شهر، أو أسبوع (1)، أو عند صلاة ركعتين بخشوع وخضوع، أو في وقت معين - يوما معينا يأذن فيه إذنا عاما، يدخل فيه إليه من شاء من رعاياه وأهل بلاده، يحدثونه بأسرارهم، ويشاورونه مثل ما يشاوره خواصه وأعز أولاده، ويعرفهم جواب مشاورته في الحال، ويكشف لهم عن مصالحهم الحاضرة والمستقبلة بواضح المقال، أما كان يوصف ذلك الملك بالرحمة الواسعة والمكارم المتتابعة (2)، ويحسد رعيته غيرهم من رعايا ملوك البلاد، ويجعلون ذلك اليوم الذي يشاورونه فيه من أيام الأعياد.
وكذا حال المشاورة لله تعالى في الأسباب، ورحمته في تعجيل الجواب، فإن هذا كان مقام الأنبياء والمرسلين، والخواص من عباده المسعودين، يطلبون منه الحاجات، فيوحي إلى الذين يوحى إليهم على لسان الملائكة، ويلقي في قلوب من يشاء منهم، ويسمع آذان من يريد، ويرفع الحجاب عنهم، وكان هذا المقام لهم خاصة، لا يشاركهم فيه من لا يجري مجراهم من العباد. فصار الاذن من الله جل جلاله لكل أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في مشاورته تعالى فيما يحتاجون إلى المشاورة فيه من كل إصدار وإيراد أبلغ من رحمة ذلك الملك في تعيين وقت لدخول كافة رعيته، وإذنه لهم في مشاورته، فما أدري كيف خفي هذا الانعام الأعظم، ولا مقام الأكرم، على من خفي عنه؟ وكيف أهمل حق الله تعالى وحق رسوله (عليه الصلاة والسلام) فيما قد بلغت الرحمة منه؟ ولقد صار العبد المؤمن والرسول المهيمن والوصي المستخيرين يقف هو وهما بين يدي الله تعالى على بساط المشاورة لجلاله، وينزل إليك الجواب متعجلا كما يبز إليهما (صلوات الله عليهما).
صفحه ۱۸۰