64

فتاوای کبری

الفتاوى الكبرى

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

كَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَتَوَابِعِهَا كَالْحُبِّ، وَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَالشُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ، بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ فُرُوضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَرَكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ إمَّا كَافِرٌ وَإِمَّا مُنَافِقٌ، لَكِنَّ النَّاسَ هُمْ فِيهَا كَمَا هُمْ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِأَقَلَّ لَوْمًا مِنْ التَّارِكِينَ لِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ ظَاهِرَةٍ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، بَلْ اسْتِحْقَاقُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، إنْ كَانَتْ الْأُمُورُ الْبَاطِنَةُ مُبْتَدَأَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَأُصُولَهَا، وَالْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ كَمَالَهَا وَفُرُوعَهَا الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا. [فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: «يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا»، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلَا أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» . فَالْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَغْفِرَةُ لِمَنْ تَابَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] . إلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ [الزمر: ٥٤] . فَهَذَا السِّيَاقُ مَعَ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَيْأَسُ مُذْنِبٌ مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مَا كَانَتْ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ لِعَبْدِهِ التَّائِبِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ الشِّرْكُ وَغَيْرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَابَ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] إلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥] . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١] . وَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، إلَى قَوْلِهِ: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤] .

1 / 111