فتاوای کبری

ابن تیمیه d. 728 AH
54

فتاوای کبری

الفتاوى الكبرى

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

وَلِهَذَا قِيلَ: الْهُدَى أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: الْهِدَايَةُ إلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْأَعْجَمِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَالثَّانِي: الْهُدَى بِمَعْنَى دُعَاءِ الْخَلْقِ إلَى مَا يَنْفَعُهُمْ وَأَمْرُهُمْ بِذَلِكَ، وَهُوَ نَصْبُ الْأَدِلَّةِ، وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ، فَهَذَا أَيْضًا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ سَوَاءٌ آمَنُوا أَوْ كَفَرُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] . فَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] . يُبَيِّنُ أَنَّ الْهُدَى الَّذِي أَثْبَتَهُ هُوَ الْبَيَانُ وَالدُّعَاءُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّعْلِيمُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، لَيْسَ هُوَ الْهُدَى الَّذِي نَفَاهُ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْهُدَى الَّذِي هُوَ جَعْلُ الْهُدَى فِي الْقُلُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ بِالْإِلْهَامِ وَالْإِرْشَادِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ، كَالتَّوْفِيقِ عِنْدَهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، جَعَلَ التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَنَحْوَ ذَلِكَ خَلْقَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. أَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُمَا اسْتِطَاعَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّعْكِيفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ [آل عمران: ٩٧] . وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . وَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ يَقْتَرِنُ بِهَا الْفِعْلُ تَارَةً، وَالتَّرْكُ أُخْرَى، وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ الْقَدَرِيَّةُ غَيْرَهَا، كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لَمْ

1 / 101