فتاوای کبری

ابن تیمیه d. 728 AH
43

فتاوای کبری

الفتاوى الكبرى

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

لِأَهْلِ الشَّامِ. وَكَانَ أَبُو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إذَا حَدَّثَ بِهِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَاوِيهِ أَبُو ذَرٍّ الَّذِي مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةٍ مِنْهُ. وَهُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا الرَّسُولُ ﷺ عَنْ رَبِّهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا. وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذَا الْبَابِ زَاهِرٌ السُّحَامِيُّ، وَعَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تَضَمَّنَ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: «حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» تَتَضَمَّنُ جُلَّ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ إذَا أُعْطِيت حَقَّهَا مِنْ التَّفْسِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِيهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَائِلِ النُّكَتِ الْجَامِعَةِ. وَأَمَّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: «وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» . فَإِنَّهَا تَجْمَعُ الدِّينَ كُلَّهُ، فَإِنَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ رَاجِعٌ إلَى الظُّلْمِ وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْعَدْلِ، وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد: ٢٥] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِأَجْلِ قِيَامِ النَّاسِ بِالْقِسْطِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ الَّذِي بِهِ يُنْصَرُ هَذَا الْحَقُّ، فَالْكِتَابُ يَهْدِي، وَالسَّيْفُ يَنْصُرُ، وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا. وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ النَّاسِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الْحَدِيدِ. كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلُحَ النَّاسُ: الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ. وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] . أَقْوَالًا تَجْمَعُ الْعُلَمَاءَ وَالْأُمَرَاءَ؛ وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى دُخُولِ الصِّنْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَكَانَ نُوَّابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَيَاتِهِ كَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَمْثَالُهُمْ يَجْمَعُونَ

1 / 90