طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ فَالْفَاسِقُ مِثْلُهُ الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْقُدْوَةَ بِالْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى إخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُنَا لِطَهَارَتِهِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُشَاهِدُوا طَهَارَةَ الْحَجَّاجِ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ فَاقْتَضَى مَقَامُ التَّوْسِيعِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى الْأُمَّةِ اعْتِمَادَهُ فِي ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّضْيِيقَ لَا يُتَلَقَّى مِنْ التَّوْسِيعِ فَقَدْ يُمْنَعُ أَيْضًا إلْحَاقُ قَوْلِهِ: بُلْت فِي الْإِنَاءِ بِقَوْلِهِ: ذَبَحْت الشَّاةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ لِمُعَارَضَتِهِ لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ الَّذِي رَاعَوْا فِيهِ التَّوْسِيعَ.
الْأَمْرُ السَّادِسُ: أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْمَأْمُورِ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَشَقَّةٌ وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ لِمَا فِي الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ الْمُطَهِّرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ الْأَمْرُ السَّابِعُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اعْتِمَادُ خَبَرِ الْفَاسِقِ عَنْ حَاجَتِهِ وَتَوَقَانِهِ إلَى النِّكَاحِ حَتَّى يَجِبَ إعْفَافُهُ الْأَمْرُ الثَّامِنُ: أَنَّ قِيَاسَ الْأَوَّلِ لِإِخْبَارِهِ بِالتَّطْهِيرِ عَلَى إخْبَارِهِ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ مَمْنُوعٌ بِتَضَمُّنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ لِلتَّوْسِيعِ عَلَى الْأُمَّةِ فِي التَّمَسُّكِ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ لِقُوَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُ خَبَرُ الْفَاسِقِ فَلَا يُتَلَقَّى مِنْهُ التَّضْيِيقُ بِالْمَنْعِ مِنْ رَدِّ الثَّوْبِ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ عَنْ تَطْهِيرِهِ لَهُ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَقَدْ اكْتَفَوْا بِإِمْكَانِ طُهْرِ فَمِ الْهِرَّةِ الْمَعْلُومِ نَجَاسَتُهُ حَيْثُ غَابَتْ فَلَمْ يَحْكُمُوا بِنَجَاسَةِ قَلِيلٍ وَلَغَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلًا بِأَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ نَجَاسَةِ فَمِهَا كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إزَالَةِ الْفَاسِقِ لِلنَّجَاسَةِ وَلَوْ عَوَّلُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِخَبَرِهِ لِمَا صَحَّحُوا الْقُدْوَةَ بِالْفَاسِقِ إلَّا بِشَرْطِ مُشَاهَدَةِ طَهَارَتِهِ كَمَا سَبَقَ.
الْأَمْرُ التَّاسِعُ: أَنَّ النَّوَوِيَّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيهِمَا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ قَبِلَ هَدَايَا الْكُفَّارِ الْمَحْمُولَةَ عَلَى أَيْدِي بَعْضِهِمْ إلَيْهِ اهـ.
فَإِذَا رَجَعَ إلَى إخْبَارِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ بِذَلِكَ لِإِفَادَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ ظَنًّا بِهِ، فَكَيْفَ لَا يَرْجِعُ بِإِخْبَارِ الْفَاسِقِ عَمَّا هُوَ أَهْلٌ لَهُ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ صِحَّةِ تَوْكِيلِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ وَفَاسِقٍ وَصِحَّةِ مُعَامَلَتِهِمَا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمَا ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَتَيْنَا بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرُ الْعَاشِرُ: أَنَّ الْإِمَامَ بَدْرَ الدِّينِ الزَّرْكَشِيّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْخَادِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إخْبَارِ الْفَاسِقِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَقَالَ كِتَابِيٌّ أَنَا ذَبَحْتهَا تَحِلُّ اهـ.
فَأُنِيطَ قَبُولُ خَبَرِهِ بِالتَّنْجِيسِ النَّاشِئِ عَنْ فِعْلِهِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِمُقْتَضَى الْحِلِّ وَالطَّهَارَةِ النَّاشِئَيْنِ عَنْ فِعْلِهِ: فَالْفَاسِقُ أَوْلَى فَانْظُرْ إلَى السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ إتْيَانِهِمْ بِالشَّرْطِ فِي الذَّكَاةِ؛ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ أَكْلِهَا لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ لِذَبْحِهَا مِنْهُمْ بَلْ عَوَّلُوا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِيَّتِهِمْ لَهُ رُجُوعًا إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ الْأَمْرُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ عَنْ التَّوَسُّطِ لِلْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ بَلْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فَإِنَّهُ قَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ أَمِينًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَكَثِيرُونَ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ مَا ذُكِرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ غُسِّلَ فَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَسَّلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْكَمَالُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (بِأَنَّ الْفَاسِقَ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ وَقَعَ الْمَوْقِعُ) وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: (وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا) قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فَأَشْعَرَ بِالْوُجُوبِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذَا مِنْهَا اهـ. كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ يُدَّعَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ عَدِّهَا لِلْعِلْمِ بِصِحَّةِ غُسْلِهِ فَهُوَ أَهْلٌ لَهُ وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ اسْتِئْجَارِ مَنْ يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَأَغْنَى ذَلِكَ مَعَ ذَكَرِهِمْ لِقَبُولِ خَبَرِهِ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ ذِكْرِهَا اهـ.
الْأَمْرُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَوْ مَرَّ مُجْتَازُونَ بِمَيِّتٍ فِي صَحْرَاءَ لَزِمَهُمْ الْقِيَامُ بِهِ؛ فَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا فَإِنْ كَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ دَفَنُوهُ وَإِطْلَاقُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ كَانَ فَاسِقًا أَمْ لَا فَإِذَا اكْتَفَيْنَا بِوُجُودِ أَثَرِ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ
1 / 6