هاروت وماروت بعد الذنب هما بالصعود إلى السماء فلم يقدرا، فعلما ما حل بهما، فقصدا نبي الله تعالى إدريس ﵇ وأخبراه بأمرهما، وسألاه أن يشفع لهما عند الله ﷿، ففعل ذلك إدريس، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا؛ لأنهما علما أنه ينقطع، فهما يعذبان ببابل. قيل: إنها بالعراق بأرض الكوفة، وسميت بذلك لتبلبل الألسن عند سقوط صرح نمروذ. قيل: إنهما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة، وقيل: إنهما منكوسان يضربان بسياط الحديد.
وقيل: إن رجلا قصدهما ليتعلم السحر فوجدهما معلقين بأرجلهما مزرقة عيونهما مسودة جلودهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا قدر أربع أصابع، وهما يعذبان بالعطش، فلما رأى ذلك هاله، فقال: لا إله إلا الله، فلما سمعا كلامه قالا: من أنت؟ قال: رجل من الناس، قالا: من أي أمة أنت؟ قال: من أمة محمد ﷺ، قالا: أوقد بعث محمد ﷺ؟ قال: نعم، فقالا: الحمد لله وأظهرا الاستبشار، فقال الرجل: مما استبشاركما، قالا: فإنه نبي الساعة، وقد دنا انقضاء عذابنا والله تعالى أعلم.
وما يعلمان أحدا السحر حتى ينصحانه أولا قيل: سبع مرات يقولان له: إنما نحن ابتلاء ومحنة للناس، فلا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر، فإن أبى قبول نصحهما وصمم على التعليم يقولان له: ائت هذا الرماد والحس منه، فإذا فعل خرج منه نور ساطع في السماء وهو الإيمان والمعرفة، وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه، وذلك غضب الله تعالى، فيعلمانه ذلك، ولأن السحر له تأثير في نفسه ابتلاء من الله تعالى، وسمي السحر سحرا لخفاء سببه، وقيل: معنى السحر الإزالة وصرف الشيء عن وجهه، وأما حقيقته، فقد قيل: إنه عبارة عن التمويه والتخييل، وقيل: إن السحر يؤثر في قلب الإنسان، فيجعل الإنسان على صورة الحمار والحمار على صورة الكلب، وقد يطير الساحر، وهذا القول ضعيف عند أهل السنة؛ لأن الله تعالى هو الخالق الفاعل لهذه الأشياء عند عمل الساحر، ويحرم فعل السحر؛ لأنه من الكبائر. والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ فهل يتبدلان حقيقة أو معنى؟ وهل يكون الحساب على هذه الأرض أم على غيرها؟
(أجاب) روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: تغير هذه الأرض التي عليها بنو آدم بأرض بيضاء نقية لم يكن يعمل فيها بالمعاصي، ولم يكن تسفك عليها الدماء، وروي أن عائشة- رضي الله تعالى عنها - قالت لرسول الله ﷺ: يقول الله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض﴾ أين يكون الناس يومئذ؟ فقال لها رسول الله ﷺ سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك: الناس يومئذ على الصراط ".
وروي عن ابن عباس - رضي الله
1 / 17