الفتاوى الحديثية
الفتاوى الحديثية
ناشر
دار الفكر
﵁، مَا أخرجه الْخَطِيب عَن ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَن عمر ﵁ قَالَ: إِذا وجد أحدكُم كتابا فِيهِ علم لم يسمعهُ عَن عَالم فليدّع بِإِنَاء وَمَاء فلينقَعْه فِيهِ حَتَّى يخْتَلط سوَاده فِي بياضه، هَذَا كُله فِيمَا إِذا اعْتمد فِي كَون ذَلِك رِوَايَة على مُجَرّد وجوده فِي نُسْخَة مثلا فَلَا يجوز ذَلِك، لِأَن الرِّوَايَة لَا تثبت بذلك كَمَا يَأْتِي التَّصْرِيح بِهِ أَيْضا عَن غير وَاحِد، أما إِذا ذكر ذَلِك لَا على جِهَة الرِّوَايَة وَلَا على جِهَة الْجَزْم بل على جهةِ الوِجَادة فَإِن ذَلِك يجوز كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا: مَا وُجِد فِي نُسْخَة من تَصْنيف، فَإِن وثِق بِصِحَّة النُّسْخَة بأنْ قابلها المصنفُ أوثقه غيرَه بِالْأَصْلِ، أَو بفرع مُقَابل بِالْأَصْلِ وَهَكَذَا جَازَ الْجَزْم بنسبتها إِلَى صَاحب ذَلِك الْكتاب، وإنْ لم يوثق بِصِحَّة تِلْكَ النُّسْخَة لم يجْزم بنسبتها إِلَيْهِ بل يُقَال بَلغنِي عَن فلَان أَنه ذَكَر كَذَا أَو وجِد فِي نُسْخَة من الْكتاب الْفُلَانِيّ كَذَا، وَمَا أشبه ذَلِك من الْعبارَات الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْجَزْم، نعم يجوز ذَلِك للْعَالم الفَطِن الَّذِي لَا يخفى عَلَيْهِ فِي الْغَالِب مَوَاضِع الْإِسْقَاط والسقط وَمَا أُحِيل عَن جِهَته، وَقَالُوا أَيْضا: إِن نسخ صَحِيح التِّرْمِذِيّ كَثِيرَة الْخلاف فِي الحكم على الحَدِيث فَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح وَفِي أُخْرَى صَحِيح غَرِيب، وَإِذا أُرِيد نِسْبَة شَيْء مِنْهَا لِلتِّرْمِذِي لم يجز الْجَزْم بنسبتها إِلَيْهِ إِلَّا إِذا رأى فِي نُسْخَة صَحِيحَة مُقَابلَة على أصل مُعْتَبر. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) مَا ملخصه: لَا يجوز الِاعْتِمَاد على كتاب إِلَّا إِذا وثق بِصِحَّتِهِ فَإِن وجد مِنْهُ نُسْخَة غير مُعْتَمدَة فلتستظهر بنسخ مِنْهُ متفقة، وإنْ لم يُوجد غير تِلْكَ النُّسْخَة الْغَيْر الْمُعْتَمدَة. قَالَ ابْن الصّلاح: فَإِن أَرَادَ حكايته عَن قَائِله فَلَا يقل قَالَ فلَان كَذَا وَليقل وجدت عَن فلَان كَذَا، وَبَلغنِي عَنهُ وَنَحْو ذَلِك، هَذَا إِن كَانَ أَهلا للتخريج، وَإِلَّا لم يجزْ لَهُ ذَلِك فَإِن سَبيله النَّقْل الْمَحْض، وَلم يحصل لَهُ مَا يجوز لَهُ ذَلِك، نعم إِن ذكره مُفْصِحًا بحالته، فَقَالَ: وجدته فِي نُسْخَة من الْكتاب الْفُلَانِيّ وَنَحْو ذَلِك جَازَ انْتهى. قَالَ ابْن الصّلاح أَيْضا: وَقد تسَامح كَثِيرُونَ بِإِطْلَاق اللَّفْظ الْجَازِم فِي ذَلِك من غير تحرِّ وَلَا تثبت فيطالع أحدهم كتابا مَنْسُوبا إِلَى مُصَنف معِين وينقل عَنهُ من غير أَن يَثِق بِصِحَّة النُّسْخَة قَائِلا عَن فلَان كَذَا وَنَحْو ذَلِك، وَالصَّوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز انْتهى. قَالَ بعض الْحفاظ: ويلتحق بذلك مَا يُوجد بحواشي الْكتب من الْفَوَائِد والتقييدات وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت بِخَط مَعْرُوف فَلَا بَأْس بنقلها وعزوها إِلَى من هِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا يجوز اعتمادها إِلَّا لعالم متقن. وَقَالَ ابْن الصّلاح أَيْضا مَا ملخصه: لَا يجوز لأحد أَخذ حَدِيث من كتاب مُعْتَمد لعمل أَو احتجاج إِلَّا بعد مُقَابلَته على أصُول مُتعَدِّدَة وَقد تكْثر تِلْكَ الْأُصُول الْمُقَابل بهَا كَثْرَة تَنْزِل منزلَة التَّوَاتُر أَو الاستفاضة، وَخَالفهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ: لَا يشْتَرط تعدد الْأُصُول بل يَكْفِي الْمُقَابلَة على أصل وَاحِد لَكِن بِشَرْط أَن يكون صَحِيحا مُعْتَمدًا أَي بِأَن يُقَابل على أصل صَحِيح وَهَكَذَا إِلَى الْمُؤلف. وَكَلَام ابْن الصّلاح مُوَافق لَهُ على عدم اشْتِرَاط تعدد الأَصْل الْمُقَابل عَلَيْهِ إِذا كَانَ النَّقْل مِنْهُ للرواية، وَالْفرق أَن الْعَمَل والاحتجاج يحْتَاط لَهما أَكثر. وَقَالَ ابْن برهَان: ذهب الْفُقَهَاء كَافَّة إِلَى أَنه لَا يتَوَقَّف الْعَمَل بِالْحَدِيثِ على سَمَاعه، بل إِذا صحت عِنْده النُّسْخَة من الصَّحِيحَيْنِ مثلا أَو من (السّنَن) جَازَ لَهُ الْعَمَل بهَا وَإِن لم يسمع، ومِنْ هَذَا وَمَا قَبْله تعين حَمْلُ اشْتِرَاط ابْن الصّلاح للتعدد على الِاسْتِحْبَاب كَمَا قَالَه جمَاعَة. فَإِن قلت: حِكَايَة ابْن برهَان إِجْمَاع الْفُقَهَاء تخَالف حِكَايَة الْإِجْمَاع السَّابِق أَولا. قلت: لَا مُنَافَاة لِأَن مَا هُنَا فِي مُجَرّد الاستنباط من الحَدِيث فَلَا يشْتَرط فِيهِ سَماع، بل صِحَة الأَصْل الْمَنْقُول عَنهُ، وَمَا مر فِيمَن أَرَادَ رِوَايَته بِمُجَرَّد وجوده فِي كتاب من مسموعاته من غير أَن يصحح أصُول سَمَاعه بِهِ وَلَا يتَيَقَّن أَنه سَمعه من شَيْخه فَهَذَا هُوَ محمل إِطْلَاقهم السَّابِق عدم الْجَوَاز، هَذَا مَا يتَعَلَّق بِحكم الْوَاو وَالْفَاء من حَيْثُ النَّقْل. وَحَاصِله: أَن الْوَاو ضَرُورِيَّة الثُّبُوت رِوَايَة وَعَملا واحتجاجًا، وَأَن الْفَاء إنْ صحتْ النسخةُ الَّتِي وجدتْ فِيهَا بِأَن قابلها خَبِير ثِقَة على أصل مُعْتَمد، بِأَن صَححهُ حَافظ ثِقَة، جَازَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا عملا، وَكَذَا رِوَايَة إِن رَآهَا فِي أَصله الْمَحْفُوظ عِنْده الْمُقَابل كَمَا ذكره، أَو سَمعهَا من لفظ شيخ لَهُ خبْرَة بِالْحَدِيثِ متْنا وإسنادًا، فإنْ فقد بعض هَذِه الشُّرُوط لم تجز قرَاءَتهَا على أَنَّهَا من الحَدِيث وَلَا الْجَزْم بِأَنَّهَا فِي كتاب مُسلم، وَإِنَّمَا الَّذِي يجوز فِي ذَلِك أَن يَقُول: رأيتُ أَو وجدتُ فِي بعض نسخ مُسلم كَذَا بِالْفَاءِ. إِذا تقرر ذَلِك فَمَعْنَى الْوَاو وَاضح جليّ لقَوْله ﷺ: (وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة) أَو (الذّبْح) وَهَذَا يَشْمَل الْإِحْسَان بِالْحَدِّ وَالْإِحْسَان بالإراحة وَالْإِحْسَان بِغَيْرِهِمَا كالتوجيه للْقبْلَة، وَالتَّسْمِيَة، وَنِيَّة التَّقَرُّب بذبحها إِلَى الله وَالِاعْتِرَاف لله تَعَالَى بالمنة وَالشُّكْر على هَذِه النِّعْمَة، وَهِي إجلاله
1 / 64