الفتاوى الحديثية
الفتاوى الحديثية
ناشر
دار الفكر
عَنْهُمَا جبال الْمَدِينَة، فَإِذا رجال طوال كَأَنَّهُمْ الرماح، فأرْعَد مِنْهُم حَتَّى كَاد يسْقط، فَخَطَّ لَهُ ﷺ خطا فِي الأَرْض بإبهام رجله وَأَجْلسهُ وَسطه، ثمَّ ذهب وتلا قُرْآنًا وَمَا نفروا حَتَّى طلع الْفجْر) الحَدِيث. وَجَاءَت رِوَايَات أخر عَن ابْن مَسْعُود (أَنه انْطلق مَعَه ﷺ فِي وقائع أُخْرَى مِنْهَا أَنهم اجْتَمعُوا بِهِ ﷺ وَقَرَأَ عَلَيْهِم وَقضى بَينهم فِي قَتِيل تنازعوا فِيهِ) . وَأخرج أَبُو نعيم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ (أَن نَفرا من أَصْحَاب عبد الله خَرجُوا لِلْحَجِّ مَعَ رَسُول الله فَسَأَلُوهُ ﷺ وَقَالُوا: زودنا؟ فَقَالَ: لكم الرجيع، وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من عظم فلكم عَلَيْهِ لحم، وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من الروث فَهُوَ لكم ثَمَر، فَلَمَّا ولوا قلت: من هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: جنّ نَصِيبين) . قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِم وَمَا فِي الْإِحْيَاء من أَنهم يغتذون مِنْهُ بالرائحة غَفلَة عَن السّنة كَهَذا الحَدِيث وَحَدِيث مُسلم السَّابِق أَي لما فيهمَا من التَّصْرِيح بِأَنَّهُم يَأْكُلُون مَا عَلَيْهِ. وَأخرج مُسلم وَغَيره (أنّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ) أَي حَقِيقَة وَحمله على الْمجَاز رَدَّه ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ لَا معنى لصرفه عَن حَقِيقَته الممكنة. وَأخرج مُسلم وَغَيره (أَنه ﷺ مسك يَدي من لم يسميا على طَعَام بَين يَدَيْهِ وَقَالَ: إِن الشَّيْطَان ليستحل الطَّعَام الَّذِي لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَأَنه جَاءَ بِهَذَيْنِ يَسْتَحِل بهما فأخذتُ بيديهما، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَن يَده فِي يَدي مَعَ أَيْدِيهِمَا) . وَاسْتَدَلُّوا لتناكح الْجِنّ فِيمَا بَينهم بقوله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الْكَهْف: ٥٠] فَهَذَا يدل على أَنهم يتناكحون لأجل الذُّرِّيَّة. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ﴾ [الرَّحِمان: ٥٦] وَهَذَا يدل على أَنه يَتَأَتَّى مِنْهُم الطمث وَهُوَ الْجِمَاع والافتضاض. وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ﴾ [الْكَهْف: ٥٠] قَالَ: هم أَوْلَاده يتوالدون كَمَا يتوالد بَنو آدم وهم أَكثر عددا. وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن عمر ﵄ قَالَ: إِن الله جزأ الْإِنْس وَالْجِنّ عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْجِنّ وَالْإِنْس جُزْء وَاحِد فَلَا يُولد من الْإِنْس ولد إِلَّا ولد من الْجِنّ تِسْعَة. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت قَالَ: (بلغنَا أَن إِبْلِيس قَالَ: يَا رب إِنَّك خلقت آدم وَجعلت بيني وَبَينه عَدَاوَة فسلطني على أَوْلَاده؟ فَقَالَ: صُدُورهمْ مسَاكِن لَك. قَالَ: يَا رب زِدْنِي؟ قَالَ: لَا يُولد لآدَم ولد إِلَّا ولد لَك عشرَة قَالَ: يَا رب زِدْنِي؟ قَالَ: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الأٌّمْوَالِ وَالأٌّوْلَادِ﴾ [الْإِسْرَاء: ٦٤] . وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَنه سُئِلَ عَن إِبْلِيس هَل لَهُ زَوْجَة قَالَ: إِن ذَلِك الْعرس مَا سَمِعت بِهِ. وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: باض إِبْلِيس خمس بيضات فذريته من ذَلِك. قَالَ: وَبَلغنِي أَنه يجْتَمع على حَوْض وَاحِد أَكثر من ربيعَة وَمُضر، وَأخذ من: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الأٌّمْوَالِ وَالأٌّوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ [الْإِسْرَاء: ٦٤] أَنه قد يَقع التناكح والإنسية وَعَكسه خلافًا لمن أَحَالهُ. وَأخرج ابْن جرير وَغَيره عَن مُجَاهِد أَنه إِذا جَامع الرجل أَهله وَلم بِسم انطوى الجان على إحليله فجامع مَعَه فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ﴾ [الرَّحِمان: ٥٦] قَالَ بعض الْحَنَابِلَة وَالْحَنَفِيَّة. لَا غسل بِوَطْء الجني وَالْحق خِلَافه إِن تحقق الْإِيلَاج. قيل: أحد أَبَوي بلقيس كَانَ جنيًا، وَفِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز نكاحهم شرعا وَجَاء عَن مَالك ﵁ أَنه أجَازه وَلكنه كرهه لِئَلَّا يَدعِي الحبالى من الزِّنَا أَنه من الْجِنّ، وَكَذَا كرهه الحكم بن عُيَيْنَة وَقَتَادَة وَالْحسن وَعقبَة الْأَصَم وَالْحجاج ابْن أَرْطَاة. وَأخرج جرير عَن أَحْمد وَإِسْحَق أَنه ﷺ نهى عَنهُ، وَمن ثمَّ كرهه إِسْحَق لَكِن فِي (الفتاوي السِّرَاجِيَّة) للحنفية أَنه لَا تجوز المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وإنسان المَاء لاخْتِلَاف الْجِنْس، وَبِه أفتى شيخ الْإِسْلَام الْبَارِزِيّ من أَئِمَّتنَا، لِأَن الله تَعَالَى امتنّ علينا بِأَن خلق لنا من أَنْفُسنَا أَزْوَاجًا فَلَو جَازَ نِكَاح الْجِنّ مَا حصل الامتنان بذلك. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: معنى الْآيَة أَي آيَة النَّحْل وَالروم ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [النَّحْل: ٧٢] أَي من جنسكم ونوعكم وعَلى خَلقكُم، وصوّب ابْن الْعِمَاد قَول ابْن يُونُس فِي (شرح الْوَجِيز) بِحل نكاحهم. وَصَحَّ عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ: تزوج إِلَيْنَا جني فَقلت لَهُ: مَا أحب الطَّعَام إِلَيْكُم. قَالَ الْأرز. قَالَ: فأتيناهم بِهِ، فَجعلت أرى اللقم ترفع وَلَا أرى أحدا، فَقلت: فِيكُم من هَذِه الْأَهْوَاء الَّتِي بَيْننَا؟ قَالَ: نعم، قلت: فَمَا الرافضة فِيكُم؟ قَالَ: شَرنَا. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَأَبُو الشَّيْخ أَنه اخْتصم عِنْد رَسُول الله ﷺ الْجِنّ الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فأسكن الْمُسلمين الْقرى وَالْجِبَال وَالْمُشْرِكين مَا بَين الْجبَال والبحار، وَفِي حَدِيث عِنْد ابْن عدي (أَنه ﷺ نهى عَن الْبَوْل
1 / 50