وَإِن لم يتَيَقَّن مَوته حَكمنَا بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ بِهِ غَشِي أَو نَحوه، وَبَان لنا بَقَاء زَوْجَاته فِي عصمته وأمواله فِي ملكه، وَهَذَا التَّفْصِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ظَاهر جلي وَإِن لم أر من صرح بِهِ، وَالله أعلم.
٧ - وسُئل ﵁: هَل خُلُود الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة على هَذَا التَّرْكِيب أَعنِي من الْعظم وَاللَّحم وَغَيرهمَا وخلود الْكَافرين فِي النَّار على صورهم فِي الدُّنْيَا أَو لَا؟ وَهل يجب الغُسل فِي الْجنَّة كَمَا يجب فِي الدُّنْيَا بِوَطْء الزَّوْجَات؟ وَهل الْمَلَائِكَة يتمتعون فِي الْجنَّة وَبِمَ يتمتعون؟ وَهل مُنْكر وَنَكِير يسألان كلَّ ميت صَغِيرا وكبيرًا وَمُسلمًا وكافرًا ومقبُورًا وَغير مقبور؟ وَهل يسألان كل أحد بِلِسَانِهِ مَا كَانَت عَرَبِيَّة أَو غَيرهَا؟ وَهل مُنكر بِفَتْح الْكَاف أَو كسرهَا؟ وَهل هما اللَّذَان يسألان الْمُؤمن أَو غَيرهمَا؟ فَأجَاب فسح الله فِي مدَّته ونفعنا بِعُلُومِهِ وبركته: الَّذِي دلّت عليهِ الْأَحَادِيث أَن خُلُود الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة والكافرين فِي النَّار على نَحْو صورهم فِي الدُّنْيَا الْمُشْتَملَة على نَحْو الْعظم وَاللَّحم، وَصَحَّ أَنه ﷺ قَالَ: (أَيهَا النَّاس إِنَّكُم تحشرون إِلَى الله حُفَاة عُراة غرلًا) قَالَ الْأَئِمَّة: قَوْله (غُرلًا) أَي غير مختونين ترد إِلَيْهِ الْجلْدَة الَّتِي قطعت بالختان، وَكَذَلِكَ يُرد إِلَيْهِ كلُّ مَا فَارقه فِي الْحَيَاة كالشعر وَالظفر ليذوق نعيم الثَّوَاب وأليم الْعقَاب وَالْعَذَاب، فأفْهَم ذَلِك أنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاء جَمِيعهَا تكون مَعَ الْإِنْسَان الْمُؤمن فِي الْجنَّة، وَغَيره فِي النَّار حَتَّى تذوق النَّعيم وَالْعَذَاب، وَمِمَّا يدل لذَلِك مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جرير عَن ابْن عَبَّاس ﵄ قَالَ فِي حق الْكَافِر: (السلسلة تدخل من استه ثمَّ تخرج من فِيهِ ينظمون فِيهَا كَمَا ينظم الْجَرَاد فِي الْعود ثمَّ يشوى) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس ﵄ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَيُؤْخَذُ بِ النَّوَاصِى وَالأٌّقْدَامِ﴾ [الرَّحِمان: ٤١] قَالَ: (يجمع بَين رَأسه وَرجلَيْهِ ثمَّ يقصف كَمَا يقصف الْعود الْحَطب) وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن أبي صَالح قَالَ: (إِذا ألقِي الرجل فِي النَّار لم يكن لَهُ مُنْتَهى حَتَّى يبلغ قعرها ثمَّ تجيش بِهِ جَهَنَّم فترفعه إِلَى أَعلَى جَهَنَّم وَمَا على عِظَامه مَزْعة لحم فتضربه الْمَلَائِكَة بالمقامع، فَيهْوِي فِي قعرها فَلَا يزَال كَذَلِك) . وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ رَفعه (مَا بَين مِنْكبي الْكَافِر مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام للراكب المسرع) وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ (خَمْسَة) . وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ﷺ: (ضِرْس الْكَافِر مثل أحد وغِلظ جلْده مسيرَة ثَلَاث) . وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ (أَن مَقْعَده من جَهَنَّم مَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة) . وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر ﵄ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: (يعظم أهل النَّار فِي النَّار حَتَّى أَن بَين شحمة أذن أحدهم إِلَى عَاتِقه مسيرَة سَبْعمِائة عَام، وَإِن غلظ جلده سَبْعُونَ ذِرَاعا، وَإِن ضرسه مثل أحد) . وَفِي رِوَايَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَغَيره (أَنه ليجر لِسَانه الفرسخ والفرسخين يَوْم الْقِيَامَة فيطؤه النَّاس) . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم مَرْفُوعا (إِن جَهَنَّم لما سيق إِلَيْهَا أَهلهَا تلقتهم بعُنْف فلفحتهمْ لفحة فَمَا أَلْقَت لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العُرقوب) .
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ رَسُول الله ﷺ: (كل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا) . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: (يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة جُرْدًا مُرْدًا بيضًا مُكَحَّلِينَ أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وهم على خلق آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة أَذْرع) . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي وَغَيره (من مَاتَ من أهل الدُّنْيَا من صَغِير أَو كَبِير يردون أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة فِي الْجنَّة لَا يزِيدُونَ عَلَيْهَا أبدا وَكَذَلِكَ أهل النَّار)، وَفِي رِوَايَة عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا، (على طول آدم سِتُّونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْملك، وعَلى حُسن يُوسُف، وعَلى مِيلَاد عِيسَى ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وعَلى لِسَان مُحَمَّد جردا مردا مُكَحَّلِينَ) . وَاعْلَم أَن أهل السّنة أَجمعُوا على أَن الأجساد تُعَاد كَمَا كَانَت فِي الدُّنْيَا بِأَعْيَانِهَا وألوانها وأعراضها وأوصافها، وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا فِي بعض طرق حَدِيث الصُّور الطَّوِيل: (يخرجُون مِنْهَا شبَابًا أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة) لِأَن هَذَا من حَيْثُ السن فهم مستوون فِيهِ نعم روى ابْن أبي حَاتِم مَا يُؤَيّدهُ عَن خَالِد بن معدان قَالَ: (إِن سقط الْمَرْأَة يكون فِي نهر من أَنهَار الْجنَّة يتقلب فِيهِ حَتَّى تقوم السَّاعَة فيبعث ابْن أَرْبَعِينَ سنة)، وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن أَن الطِّفْل والسقط يحشران على قدر عمرهما وحينئذٍ فهما مستثنيان من الحَدِيث الأول أَعنِي قَوْله: (كلهم أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ) هَذَا كُله إِن صَحَّ الحَدِيث وَإِلَّا فقضية كَلَامهم أَن النَّاس فِي الْمَحْشَر على تفَاوت صفاتهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى فِي الْأَسْنَان، وَإِنَّمَا يَقع
1 / 5