الفتاوى الحديثية

ابن هجر هیتمی d. 974 AH
112

الفتاوى الحديثية

الفتاوى الحديثية

ناشر

دار الفكر

كلفة، والمستلزم لإباء الْمُرْسل إِلَيْهِم إِلَّا بعصام نواميس المعجزات والتخويف والتهديد فتخصيص الْعَالمين بالجن والأنس لذَلِك فَحسب. وَالْحَاصِل أَنه لَا قَاطع من أحد الْجَانِبَيْنِ، وَأَن كلا من الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ أَمر ظَنِّي بِحَسب مَا دلّ عَلَيْهِ ظَاهر اسْتندَ إِلَيْهِ كل من الْقَائِلين بِأحد ذَيْنك الْقَوْلَيْنِ. وَقَول السَّائِل: وَهل الْأَفْضَلِيَّة بَين الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الخ؟ جَوَابه: أَن أَفضَلِيَّة أبي بكر ﵁ على الثَّلَاثَة ثمَّ عمر على الِاثْنَيْنِ مجمع عَلَيْهِ عِنْد أهل السّنة لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك، وَالْإِجْمَاع يُفِيد الْقطع، وَأما أَفضَلِيَّة عُثْمَان على عليّ ﵄ فظنية، لِأَن بعض أكَابِر أهل السّنة كسفيان الثَّوْريّ فضَّل عليا على عُثْمَان وَمَا وَقع فِيهِ خلاف بَين أهل السّنة ظَنِّي، وَأما الْأَحَادِيث فِي ذَلِك فمتعارضة جدا بل عليّ كرم الله وَجهه ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث المشْعِرة بفَضْله مَا لم يرد فِي الثَّلَاثَة. وَأجَاب عَنهُ بعض الْأَئِمَّة بِأَن سَبَب ذَلِك أَنه عَاشَ إِلَى زمن الْفِتَن، وَكَثُرت أعداؤه، وقدحُهم فِيهِ وحطُّهم عَلَيْهِ، وغَمْصُهم لحقه بباطلهم، فبادر حفاظ الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم، وأخرجوا مَا عِنْدهم فِي حَقه، ردْعًا لأولئك الفسقة المارقين والخوارج المخذولين، وَأما بَقِيَّة الثَّلَاثَة فَلم يَقع لَهُم مَا يَدْعُو النَّاس إِلَى الْإِتْيَان بِمثل ذَلِك الِاسْتِيعَاب. وَقَوله: وَهل الْإِنْسَان الخ؟ جَوَابه: أَن الْأَصَح نعم، بل الْأَصَح فِي أهل الفترة، وهم مِنْ لم يُرْسل إِلَيْهِم رَسُول أَنهم فِي الْجنَّة عملا بقوله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىانَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الْإِسْرَاء: ١٥] وَحمل على مَنْ قَبْل البِعثة، وَزعم قَائِله أَن كلَّ من لم يُؤمن بعد بَعثه آدم أَو نوحْ بِنَاء على أَن أول الرُّسُل آدم أَو نوح، فَهُوَ فِي النَّار زَعْمٌ مخالفٌ لظَاهِر الْآيَة فَلَا يعول عَلَيْهِ. وَقَوله: وَهل الْقَائِل بِخلق الخ؟ جَوَابه: أَن الْقَائِل بالخلق الْحَقِيقِيّ لغير الله فِي شَيْء من الْأَشْيَاء كَافِر مراق الدَّم، كَمَا هُوَ جَلي، وَالْقَائِل بِخلق العَبْد لأفعاله بِالْمَعْنَى الَّذِي يَقُوله الْمُعْتَزلَة مُبْتَدع ضَّال فَاسق، وَأما إِسْلَامه فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح أَنه مُسلم. وَقَوله: وَهل يجوّز الْعقل الخ؟ جَوَابه: نعم يجوز الْعقل ذَلِك فِي الْمُؤمنِينَ، بل ذَلِك مِمَّا يتَعَيَّن علينا اعْتِقَاده، لِأَن الله ﵎ لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء لأحد من عباده وأنبيائه وَرُسُله مُطلقًا لقَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الأٌّرْضِ جَمِيعًا﴾ [الْمَائِدَة: ١٧] وَإِنَّمَا إثابةُ الطائع مِنْ مَحْض فَضله تَعَالَى، وَيجوز أَن يُعَاقِبهُ، لكنَّه لَا يَقع بِمُقْتَضى وَعْدِه، وَأَنه لَا يخلف الميعاد، وعقاب العَاصِي مِنْ مَحْض عَدْله، وَيجوز أَن يخلفه، لِأَن خلف الإيعاد من سَعةِ الفَضْل وَالْكَرم، بِخِلَاف إخلاف الْوَعْد، وَقد أشارت الْآيَة إِلَى ذَلِك فَإِنَّهَا إِنَّمَا نصَّت على أَنه تَعَالَى لَا يخلف الميعاد، وَهُوَ لَا يكون إِلَّا فِي الْخَيْر، فاقتضتْ أَنه يخلف الإيعاد الَّذِي لَا يكون لَا فِي مُقَابلَة ذَلِك، وَأما الْكَافِر فَبعد أَن يعلم قَوْله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النِّسَاء: ٤٨] فَلَا يجوّز الْعقل ذَلِك فِيهِ، ومِنْ ثمَّ أَجمعُوا على كفر من قَالَ: إِن الله يثيب الْكَافِر. ٩٢ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ عَن قَوْله ﷺ: (يُقَال لصَاحب الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة اقْرَأ وارق ورتِّل كَمَا كنت ترتل فِي الدُّنْيَا، فَإِن منزلتك عِنْد آخر آيَة) مَنْ الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الْفَضِيلَة هَل هم من يحفظ الْقُرْآن فِي الدُّنْيَا عَن ظهر قلبه وَمَات كَذَلِك، أم يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَمن يقْرَأ فِي الْمُصحف، وَعَن قَول صَاحب (العُباب): وَورد أَن الْمَلَائِكَة لم يُعْطوا فَضِيلَة حفظ الْقُرْآن فهم حريصون على استماعه من الْإِنْس، وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الصّلاح، وَالْقَصْد تَبْيِين الطَّرِيق الَّتِي ورد مِنْهَا هَل هُوَ حَدِيث نبويّ أَو غير ذَلِك؟ فَأجَاب ﵁ بقوله: الْخَبَر الْمَذْكُور خاصّ بِمن يحفظه عَن ظهر قلب لَا بِمن يقْرَأ فِي الْمُصحف لِأَن مُجَرّد الْقِرَاءَة فِي الْخط لَا يخْتَلف النَّاس فِيهَا، وَلَا يتفاوتون قلَّة وَكَثْرَة، وَإِنَّمَا الَّذِي يتفاوتون فِيهِ كَذَلِك هُوَ الْحِفْظ عَن ظهر قلب، فَلهَذَا تفاوتت مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة بِحَسب تفَاوت حفظهم، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك أَيْضا، أنَّ حفظ الْقُرْآن عَن ظهر قلب فرض كِفَايَة على الْأمة، وَمُجَرَّد الْقِرَاءَة فِي الْمُصحف من غير حفظ لَا يسْقط بهَا الطّلب فَلَيْسَ لَهَا كَبِير فضل كفضل الْحِفْظ، فتعيَّن أَنه أَعنِي الْحِفْظ عَن ظهر قلب هُوَ المُرَاد فِي الْخَبَر، وَهَذَا ظَاهر من لفظ الْخَبَر بِأَدْنَى تَأمل، وَقَول الْمَلَائِكَة لَهُ (اقْرَأ وارق) صَرِيح فِي حفظه عَن ظهر قلب كَمَا لَا يخفى، وَقَول ابْن الصّلاح، وَقد ورد أَن الْمَلَائِكَة لم يُعْطوا فَضِيلَة قِرَاءَة الْقُرْآن فهم حريصون الخ، فَأَما كَونهم لم يُعْطوا ذَلِك فَكَأَنَّهُ أَخذه من أَحَادِيث تُشِير إِلَيْهِ، لَكِن اعْتَرَضَهُ غير وَاحِد وَسَاقُوا من الْقُرْآن وَالسّنة مَا يُعَارضهُ، وَمن ثمَّ صرح غير وَاحِد بِخِلَافِهِ، لكنني فِي (شرح الْعباب) أجبتُ عَمَّا أوردوه عَلَيْهِ، وَأما حرصهم على استماعه من الْإِنْس فَهُوَ صَرِيح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. ٩٣ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، عَمَّا صورته: ذكر الْأَئِمَّة

1 / 113