156

Fatwas on Alcohol and Drugs

فتاوى الخمر والمخدرات

ویرایشگر

أبو المجد أحمد حرك

ناشر

دار البشير والكوثر للطباعة والنشر

الأمور الاختيارية من الألفاظ والأفعال وهذا وحده غير كاف في صحة العقود والأقوال، فإن المجنون والصبي وغيرهما لهما هذا القصد، كما هو للبهائم، ومع هذا فأصواتهم وألفاظهم باطلة مع عدم التمييز، لكن الصبي المميز والمجنون الذي يميز أحيانا يعتبر قوله حين التمييز.

(الخامس): أن هذا من باب خطاب الوضع والإخبار، لا من باب خطاب التكليف: وذلك أن كون السكران معاقبًا أو غير معاقب ليس له تعلق بصحة عقوده وفسادها، فإن العقود ليست من باب العبادات التي يثاب عليها، ولا الجنايات التي يعاقب عليها، بل هي من التصرفات التي يشترك فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر، وهي من لوازم وجود الخلق، فإن العهود والوفاء بها أمر لا تتم مصلحة الآدميين إلا بها، لاحتياج بعض الناس إلى بعض في جلب المنافع ودفع المضار، وإنما تصدر عن العقل. فمن لم يكن له عقل ولا تمييز لم يكن قد عاهد، ولا خلف، ولا باع، ولا نكح، ولا طلق، ولا أعتق.

يوضح(١٣) ذلك أنه معلوم أن قبل تحريم الخمر كان كلام السكران باطلاً بالاتفاق، ولهذا لما تكلم حمزة بن عبد المطلب(١٤) رضي الله عنه في سكره قبل التحريم بقوله: هل أنتم إلا عبيد لأبي. لم يكن مؤاخذًا عليه. وكذلك لما خلط المخلط من المهاجرين الأولين في سورة (قل يا أيها الكافرون) قبل النهي لم يعقب عليه. وكذلك الكفار لو شربوا الخمر وعاهدوا وشرطوا لم يلتفت إلى ذلك منهم بالاتفاق، ومن سكر سكرا لا يعاقب عليه مثل أن يشرب ما لا يعلم أنه يسكره ونحو ذلك. فأما من سكر بشرب محرم فلا ريب أنه يأثم بذلك ويستحق من عقوبة الدنيا والآخرة ما جاء به أمر الله تعالى. فهذا الفرق ثابت بينه وبين من سكر سكرًا يعذر فيه، فأما كون عهده الذي

(١٣) هكذا في النص المطبوع، وصحتها (يوضح) كما يقتضيه السياق.

(١٤) هو أبو عمارة: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد سادات قريش الأشداء، ولد بمكة (٥٤ ق هـ). وأسلم نخوة وحسن إسلامه، وهاجر إلى المدينة، وحارب يوم بدر بسيفين فأحسن البلاء، ثم استشهد يوم أحد بالمدينة (٣ هـ).

156