فتاوى في المسح على الخفين
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي سهل طريق العبادة، ورفع الحرج عن أهل الأعذار للوصول إلى طريق السعادة، ووفق الصالحين من الخلق لامتثال ما أحبه وأراده. أحمده وأشكره، وأرجو على شكره الزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأؤمل الوفاة على هذه الشهادة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
فقد رغب إلي بعض الإخوة الصالحين -ولا نزكي على الله أحدًا- أن أجيب على أسئلة مهمة تتعلق بالمسح على الخفاف والجوارب، وما يلحق بها، فأجبته إلى ذلك رجاء أن ينفع الله بها، وذلك لكثرة الخطأ فيها، ووقوع التساهل من كثير من الناس فيما يتعلق بالمسح، مع أن العلماء رحمهم الله تعالى قد كفوا غيرهم، وأولوا هذا الموضوع اهتمامًا كبيرًا، ولكن كلامهم في أثناء كتب الفقه، وهو بأسلوب علمي، قد لا يفهمه العامة، فكان من الأولى إفراد الموضوع بكتابة تطبع في رسالة مفردة، يسهل حملها مع الراكب والنازل، وتوزع على العاملين في مكاتبهم، وأماكن تجمعهم، رجاء أن يتنبهوا إلى ما يقعون فيه من الخطأ الذي قد يوقع في إبطال الطهارة، ثم إبطال الصلاة، وحيث إن الكثير من هذه المسائل يوجد فيها اختلاف قديم وحديث بين المشايخ والفقهاء، فإني أختار ما ترجح عندي بالدليل أو النظر، مستشهدًا بكلام العلماء الذين قد أولوا هذا الموضوع عناية واهتمامًا، فإنهم قدوة لمن بعدهم، فقد شهد لهم من بعدهم بالعلم والإدراك، وقوة الفهم، وسعة الاطلاع، بحيث بذلوا وسعهم في البحث عن المسائل والوقائع والأدلة، واستنبطوا من النصوص الفوائد، وطبقوا عليها الوقائع فجزاهم الله أحسن الجزاء، وأعظم أجرهم.
1 / 1
ثم إن الإخوة قد صاغوا أسئلة تتعلق بالمسح على الحوائل من الخفاف والجوارب، والعمامة والجبيرة، ونحوها، وقد أجبت على تلك الأسئلة، وأحيانًا أعدت صياغتها، ورتبتها حسب ترتيب الفقهاء مسائل هذا الباب في كتب الفقه، وأشهرها عند فقهاء هذه البلاد كتاب "المقنع" لابن قدامة ﵀، فقد سار من بعده من الحنابلة على ترتيبه غالبًا، واشتهر من الشروح كتاب "الروض المربع"، شرح مختصر المقنع، وهو أكثر الشروح تداولًا بين الطلاب والعلماء، فحرصت على السير على ترتيب مسائله حسب القدرة، وهذا ما وصل إليه الاجتهاد، ولكل مجتهد نصيب، والله المسؤول أن يعم بنفعه المسلمين، وأن يتقبله، وأن يرزقنا الاحتساب لما عنده من الثواب، وأن يجزل الأجر لعلماء الأمة الإسلامية إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الوالد عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأسأل الله لكم التوفيق والعون والسداد وأن يجعل بذلكم للعلم في ميزان حسناتكم.
أيها الشيخ الكريم، كثر السؤال أخيرًا عن مسائل في الخفين وفي العمامة والجبيرة، بالنسبة للمريض والمقيم والمسافر، فأشكلت على الناس كثرة هذه الأسئلة مع أن بعضها غالبًا يرجع إلى بعض، وأشكلت على بعض طلاب العلم تكرر الأسئلة بصيغ مختلفة، مع أن المضمون واحد في كثير من الأحيان؛ لذا رأيت -فضيلة الشيخ-جمع فتاوى في المسح في كتيب للأسباب التالية:
أولًا: أنه لم يصدر كتيب أو كتاب يتضمن فتاوى في المسح على الخفين، والعمامة، والرأس، والجبيرة، والقلانس واللصقة الطبية ونحو ذلك، ولذا فسيكون هذا الكتيب -إن شاء الله- حاويًا لكل هذه المسائل.
1 / 2
ثانيًا: أن هناك فئة من الناس يلبسون الخفين على مدار السنة؛ كالموظفين في القطاعات العسكرية، وكأصحاب بعض المهن، ولذا فسيكون هذا الكتيب مرجعًا وافرًا إن شاء الله تكرر طبعه الشؤون الدينية في كل القطاعات العسكرية.
مع ملاحظة -فضيلة الشيخ حفظك الله- أن الأسئلة اجتهادية، ولك مطلق الحرية -حفظك الله- في الزيادة والحذف، وإعادة الصياغة، وكل ما يعين على إخراج الرسالة بصورة مشرفة، والله يرعاك ويسدد على الخير خطاك. وقد رأى بعض الأفاضل تسمية هذه الرسالة بـ (ستون سؤالًا في المسح) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،
ابنكم المحب
طارق بن محمد الخويطر
المدرس بمعهد القرآن الكريم بالحرس الوطني
1 / 3
السؤال:-
ما حكم المسح على الخفين مع ذكر الأدلة؟
الجواب:-
المسح على الخفين ونحوهما جائز، ورخصة وتوسعة من الله تعالى على المسلمين في الطهارة الصغرى، وعليه أهل السنة والجماعة، وقد خالف في حكمه الخوارج والرافضة، ونحوهم من المبتدعة، ولذلك ذكر العلماء هذه المسألة في كتب العقائد، فقد ذكرها الطحاوي في عقيدته، والبربهاري في السنة، وغيرهما، كما ذكر الإمام أحمد في رسالة السنة عن الخوارج أنهم ينكرون المسح على الخفين.
وقد روى البيهقي في سننه عن عبد الله بن المبارك ﵀، قال: ليس في المسح على الخفين عندنا خلاف أنه جائز، وإن الرجل ليسألني عن المسح، فأرتاب به أن يكون صاحب هوى. وقال الإمام أحمد ﵀: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن أصحاب رسول الله ﷺ ما رفعوا إلى النبي ﷺ وما وقفوا. وروى ابن المنذر عن الحسن البصري ﵀ أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب النبي ﷺ أنه مسح على الخفين.
1 / 4
وقد روى أكثر تلك الأحاديث أئمة المحدثين، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" مرفوعًا عن ثمانية عشر صحابيًا، وهم عوف بن مالك، وأبو أيوب، وحذيفة، والمغيرة، وجرير، وبلال، وبريدة، وخزيمة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي، وصفوان بن عسال، وسلمان، وأبو عمارة الأنصاري، وعمر، وعمرو بن أمية، وأبو بكر، وأبو هريرة، وجابر، رضي الله تعالى عنهم. ورواه موقوفًا عن عمر، وسعد، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعلي، وأبي موسى، وجابر ابن سمرة، وعبد الله بن عمر، وسمرة، وأبي أيوب، وقيس بن سعد، وأنس، وأبي مسعود، وحذيفة، والمغيرة، والبراء، وجرير، وأبي بكرة، ﵃ أجمعين، وهؤلاء قد روي عن بعضهم مرفوعًا، وذكر الترمذي في سننه أن في الباب عن عشرين صحابيًا، فسرد أسماءهم، ولم يورد أحاديثهم، وأشار لأكثرها الشارح، وسرد البيهقي في "سننه الكبرى" من روى عنهم جواز المسح، فزادوا على العشرين.
وأورد الزيلعي في "نصب الراية" ما وقف عليه من تلك الأحاديث وألفاظها، وغالب تلك الأحاديث صحيح ثابت.
ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عليه، قال: رأيت رسول الله ﷺ بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم النخعي: وكان يعجبهم هذا؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. (متفق عليه) . وفي رواية النسائي: وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير، وكان إسلام جرير قبل موت النبي ﷺ بيسير. ولأحمد عن جرير، قال: ما أسلمت إلا بعد أن أنزلت المائدة؛ وأنا رأيت رسول الله ﷺ يمسح بعدما أسلمت.
1 / 5
ومنها حديث عوف بن مالك الأشجعي ﵁، أن رسول الله ﷺ أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم. رواه أحمد وابن أبي شيبة، والدارقطني، والبزار وغيرهم. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، قال الإمام أحمد: هذا من أجود الأحاديث في المسح، لأنه في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها النبي ﷺ، وهو آخر فعله، ذكره عبد الله بن أحمد في "مسائله" عن أبيه.
وقد استنبط ذلك بعض العلماء من القرآن الكريم من آية المائدة، فإن قوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين) فيها قراءتان: بالجر للأرجل، فيحمل على ما إذا كانت في الخفاف، ونصب الأرجل، فيراد به الغسل، حذارًا من أن تخلو إحدى القراءتين من الفائدة، والله أعلم.
1 / 6
السؤال:-
نرى بعض الناس لا يمسحون على الخف، بحجة أن الموجود في عهد النبي ﷺ مصنوع من الجلد فما رأيكم؟
الجواب:-
الأصل في الخف أنه يخرز من الأدم كالنعال، سواء من جلود الإبل -وهو الغالب لقوتها- أو من جلود البقر أو الغنم، ثم يجعل له غطاء من جلد، ليستر القدم إلى مستدق الساق ويربط فوق الكعبين بسير أو خيط قوي، حتى يتمكن من مواصلة المشي فيه. ولكن الرخصة تعم ما يشبه هذا الخف، من المصنوعات الجديدة إذا كانت تستر القدم كله إلى منتهى الكعبين، فيدخل في ذلك ما يسمى بالكنادر الساترة للقدم، والبساطر، وأنواع هذه الأحذية الساترة؛ لأنها معمولة من الجلود أو من الربل، أو نحو ذلك. وتحصل التدفئة بها، ويمكن المشي فيها، ولا يخرقها الماء ولا الهواء. والحاجة داعية إلى لبسها في شدة البرد، ولا دليل على التخصيص بالجلود؛ لأن القصد موجود والصفة في الخفين تنطبق على ما يشبهها من المعمولات الجديدة تكون على شكل لباس قوي ساتر لمحل الفرض، والله أعلم
1 / 7
السؤال:-
ما شروط المسح على الخفين؟
الجواب:-
اشترط العلماء خمسة شروط:
الأول: أن يكون طاهرا ً، فلا يمسح على النجس، سواء طرأت عليه النجاسة بأن تلوث بها بعد لبسه، أو علقت به كبول ورجيع نجس، أو كان نجسًا من أصله؛ كجلد كلب أو سبع أو جلد ميتة قبل الدبغ، لأنه والحال هذه يصلي وهو حامل نجاسة عينية، وذلك مبطل للصلاة.
الثاني: الإباحة، فيخرج المغصوب والمسروق لوجوب رده، مع الخلاف القوي في الصلاة مع الإثم، كما لا يمسح على ما يحرم استعماله لذاته كالحرير للرجال والإستبرق والديباج والمموه بذهب ونحوه، لورود المنع من استعمال ذلك.
الثالث: أن يكون الخف ساترًا للقدم الواجب غسله، أي إلى منتهى الكعبين، فلا يصح المسح على ما يستر بعض القدم، كالكنادر التي تستر ما تحت الكعبين، وما يرى منها بعض القدم، كأن يكون أعلاها واسعًا لا ينضم على الساق، بل يبرز الكعب أو يرى من أعلى الخف لعدم التصاقه بالساق، فإنه يكون بارزًا وفرضه الغسل، ولا يمكن الجمع بين الغسل والمسح، ولأنه لا يحصل به الغرض من التدفئة المطلوبة من لباسه.
الرابع: أن يثبت بنفسه، ويمكن المشي فيه ولو بربطه بخيط ونحوه، فإن كان يسقط مع المشي لم يجز المسح عليه لعدم ثباته، ولأنه لا يحصل القصد من لباسه الذي هو الستر والتدفئة ووقاية القدم من البرد والثلج، فلابد أن يستمسك على القدم، ومن نفى هذا الشرط -كشيخ الإسلام- فإنما أراد نفي اشتراط ثبوته بنفسه، ولم ينف ثبوته بالربط؛ كالزربول الذي لا يستر القدم إلا بشده بسير ونحوه.
1 / 8
الخامس: لبسه بعد كمال الطهارة، فمن لبس الخف وهو محدث، لم يمسح عليه إذا توضأ بعد لبسه، فقد ثبت في الصحيح عن المغيرة بن شعبة قول النبي ﷺ: "دعهما، فإني ادخلتهما طاهرتين" وفي رواية أبي داود: "دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان" فمسح عليهما، وهذا الشرط يقول به الجمهور استدلالًا بالسنة، ولا عبرة بالأقوال الشاذة التي تخالف الأدلة، والله أعلم.
1 / 9
السؤال:-
هل المسح على الخفين يعد رافعًا أو مبيحًا؟
الجواب:-
المختار أنه رافع مؤقت، بمعنى أن من مسح على خفيه، ارتفع حدثه زمن لبسه لهما، وصح أن يصلي بهما حتى يحدث، فيعيد الوضوء والمسح، فمتى انقضت المدة المحددة للمسح بطل أثر المسح، ولزمه الخلع وإعادة الوضوء. فمثال ذلك: لو لبسهما وقت صلاة الصبح ونام بعد الصلاة، ومسح لصلاة الظهر ثم جلس في المسجد بعد الصبح، فليس له صلاة الإشراق بذلك الوضوء في اليوم الثاني حيث إن المدة هي يوم وليلة بعد الحدث انتهت بوقت نومه من الأمس، فعليه الخلع وتجديد الوضوء، وهكذا لو خلع الخفين بعد مسحها من حدث، فإنه يبطل. فارتفاع الحدث بالمسح مؤقت بلبسها وبقاء المدة المحددة، ثم يبطل أثر المسح.
1 / 10
السؤال:-
ما الفرق بين الخف والجورب؟
الجواب:-
الفرق بينهما في الصفة ظاهر، فإن الخف هو ما يعمل من الجلود، فيفصل على قدر القدم ويخرز له موطئ كالنعل، ثم يربط به جلد غليظ فوقه يستر القدم مع الكعبين، ويربط بخيط على مستدق الساق، ويلحق به أيضًا ما يصنع من الربل والباغات الغليظة التي تفصل بقدر القدمين، ويحصل بها المقصود من الستر والتدفئة، سواء سميت كنادر وبسطارًا أو جزمة أو غير ذلك. ويدخل في الخف ما يسمى بالموق والجرموق والزربول ونحو ذلك مما يخرز على قدر القدم والساق، ويثبت بنفسه ويلبس للتدفئة.
أما الجورب، فهو في الأصل ما ينسج من الصوف الغليظ ويفصل على قدر القدم إلى الساق، ويثبت بنفسه ولا ينعطف ولا ينكسر لمتانته وغلظه، فهو إذا لبس وقف على الساق ولم ينكسر. والعادة أنه لا يخرقه الماء لقوة نسجه، ويشبه بيوت الشعر التي تنصب للسكنى ولا يخرقها المطر، فكذلك الجوارب في ذلك الوقت، حتى إنها لغلظها يمكن مواصلة المشي فيها بدون نعل أو كنادر، ولا يخرقها الماء، ولا يتأثر من مشى بها بالحجارة ولا بالشوك ولا بالرمضاء أو البرودة.
واختلف: هل يشترط أن تنعل، أي يجعل في موطئها نعل أي جلد غنم أو إبل يخرز في أسفلها، فاشترط ذلك بعض العلماء الذين أجازوا المسح على الجوارب، قال الموفق في "المغني": وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والشافعي: لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا؛ لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما، فلم يجز المسح عليهما كالرقيقتين أ. هـ.
وقال الدردير في "الشرح الصغير": ومثل الخف الجورب، وهو ما كان من قطن أو كتان أو صوف جلد ظاهره أي كسي بالجلد بشرطه الآتي، فإن لم يجلد، فلا يصح المسح عليه أ. هـ.
1 / 11
ثم ذكر الشرط بقوله: بشرط جلد طاهر، خرز وستر محل الفرض، وأمكن المشي فيه عادة بلا حائل. وذكر في الشروط كونه جلدًا، فلا يصح المسح على غيره، وأن يكون طاهرًا فلا يمسح على جلد الميتة، وأن يكون له ساق ساتر لمحل الفرض، وأن يكون مخروزًا، لا أن لزق بنحو رسراس، وأن يمكن المشي فيه احترازًا من الواسع الذي ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
وقال الكاساني في "البدائع": وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين، يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء، لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد: يجوز ... وعند الشافعي: لا يجوز المسح على الجوارب، وإن كانت منعلة، إلا إذا كانت مجلدة إلى الكعبين ... إلخ.
وقد تبين من هذه النقول ونحوها أن الجورب لابد أن يكون صفيقًا يمكن المشي فيه وحده.
وقال ابن القيم في: "حاشية سنن أبي داود": وأيضًا فإن الجلد الذي في أسفل الجورب لا يسمى فعلها في لغة العرب ولا أطلق عليه أحد هذا الاسم آه وهو دليل على أن الجوارب المعروفة يوجد في أسفلها جلد يمكن من المشي فيها بلا نعل أو جزمة. وقد استدل للمسح على الجوارب بحديث المغيرة أن النبي ﷺ مسح على الجوربين والنعلين، حسَّنه الترمذي، لكن ضعفه الجمهور وصححوا أنه خطأ من الراوي، كما نبه على ذلك الإمام مسلم في كتابه "التمييز" المطبوع، ورجح الخطأ النووي في "المجموع" وغيره، وضعف الحديث الثوري وابن مهدي وابن المديني وأحمد وابن القطان، وهؤلاء أمكن من الترمذي الذي حسنه.
1 / 12
وقد اعتمد الإمام أحمد في إباحة المسح على الجوارب ونحوها على ما روي عن الصحابة، فقد ذكر أبو داود تسعة من الصحابة مسحوا عليها، وزاد الزركشي أربعة، أي ثلاثة عشر صحابيًا، ولكن قد ذكرنا أن الجوارب في عهدهم كانت غليظة قوية، ولهذا قال الخرقي في "المختصر": وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه. قال في "المغني": إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف: أحدهما أن يكون صفيقًا لا يبدو منه شيء من القدم. الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه. قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل: إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجليه، فلا بأس، وفي موضع قال: يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب، وفي موضع قال: إن كان يمشي فيه، فلا ينثني، فلا بأس بالمسح عليه، فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء، ولا يعتبر أن يكونا مجلدين.
ثم ذكر أن المسح عليهما عمدته فعل الصحابة، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعًا، ولأنه ساتر لمحل الفرض.
1 / 13
وحيث إن الخلاف في المسح على الجوارب قوي، حيث منعه أكثرهم، واشترط بعضهم أن يكون مجلدًا، أي في أسفله جلدة من أدم مربوطة فيه لا تفارقه، وكذا اشترط الباقون أن يكون صفيقًا يمكن المشي فيه بلا نعل أو جزمة، وأن يكون صفيقًا لا يخرقه الماء، فإن هذا كله مما يؤكد على من لبسه الاحتياط وعدم التساهل، فقد ظهرت جوارب منسوجة من صوف أو قطن أو كتان، وكثر استعمالها، ولبسها الكثيرون بلا شروط، رغم أنها يخرقها الماء، وأنها تمثل حجم الرجل والأصابع، وليست منعلة، ولا يمكن المشي فيها، بل لا يواصل فيها المشي الطويل إلا بنعل منفصلة أو بكنادر أو جزمة فوقها، وهكذا تساهلوا في لبس جوارب شفافة قد تصف البشرة، ويمكن تمييز الأصابع والأظافر من ورائها، ولا شك أن هذا الفعل تفريط في الطهارة، يبطلها عند كثير من العلماء، حتى من أجازوا المسح على الجوارب، حيث اشترطوا صفاقتها وغلظها، واشترط أكثرهم أن تكون مجلدة أو يمكن المشي فيها.
قال النووي ﵀ في "الروضة": فلا يجوز المسح على اللفائف والجوارب المتخذة من صوف ولبد، وكذا الجوارب المتخذة من الجلد الذي يلبس مع الكعب.. لا يجوز المسح عليها حتى يكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، ويمنع نفوذ الماء إن شرطناه، إما لصفاقتها، وإما لتجليد القدمين والنعل على الأسفل ... إلخ.
1 / 14
السؤال:-
ما حكم لبس الخفين لمن به سلس البول؟
الجواب:-
يجوز له لبس الخفين وما يلحق بهما، فهو كغيره تشتد حاجته إلى التدفئة والوقاية من البرد والثلج ونحو ذلك وقد يكون أشد حاجة من غيره، حيث إنه يتكرر منه الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولابد أن يغسل قدميه، فلذلك يحتاج إلى لبس الخفين لتخفيف الضرر. ثم إن بدء التوقيت في حقه يكون من أول حدث بعد لبس، ولو قبل الصلاة، فلو توضأ للظهر فلبس الخفين وخرج منه بول أو دم قبل الصلاة فإنه يمسح عليها إلى غد، ويخلعها في الوقت الذي أحدث فيه بالأمس بعد اللبس، والله أعلم.
1 / 15
السؤال:-
ما حكم المسح على الخف الذي لا يثبت بنفسه كأن يكون واسعًا؟
الجواب:-
تقدم في السؤال الثالث اشتراط أن يثبت الخف بنفسه في القدم، وأن يمكن المشي فيه. فمتى كان واسعًا، يسقط من القدم عند المشي، لم يجز المسح عليه. وكذا لو ثبت، لكن يظهر من القدم بعض محل الفرض، بحيث يمكن أن تدخل الأصابع أو اليد بينه وبين القدم؛ لأنه غير ساتر لمحل الفرض، فلابد أن يستر القدم، وينضم أعلاه على ما فوق الكعبين، ولو بشرجه بخيط، أو بانضمامه إلى بعضه.
1 / 16
السؤال:-
ما حكم المسح على خف فيه صور؟
الجواب:-
لا شك في تحريم التصوير لذوات الأرواح ووجوب طمسها؛ لقول النبي ﷺ: "لا تدع صورة إلا طمستها". (رواه مسلم) . ولحديث: "كل مصور في النار". (رواه مسلم) . ولكن ورد في الصحيح عن عائشة ﵂ أنها سترت سهوة لها بقرام فيه تصاوير، فأنكر ذلك النبي ﷺ، ثم إنها جعلت منه وسادة أو وسادتين منبوذتين توطآن. (رواه البخاري ومسلم)، وفيه دليل أن ما كان ممتهنًا يجوز استعماله ولو كان فيه صورة، فإذا كانت الصور في أسفل الخف أو الجورب تباشر الأرض، فهي ممتهنة، وإن كانت في ظاهر الخف، فلا يجوز لبسه، حتى تمحى أو يزال منها ما لا تبقى معه الحياة.
1 / 17
السؤال:-
ما حكم المسح على الخف أو الجورب الشفاف؟
الجواب:-
الشفاف هو الذي يشف عما تحته، فإن كان ذلك لخفته ورقته، فلا يمسح عليه، فإنه لا يستر القدم، ولا تحصل به التدفئة، ولا يمنع من الثلج والبرد، فلا فائدة في لبسه، بل لو لف على قدميه لفائف صفيقة، وأمكن المشي فيها، كانت أولى من الجوارب الرقيقة ونحوها. أما إن كان ذلك لصفائه مع ثخانته، فلا مانع من المسح عليه، كالمعمول من الباغات والربل والزجاج الرقيق، بحيث يمكن لبسه ومواصلة المشي فيه، ويحصل به المقصود من اللبس؛ كالتدفئة والوقاية من الحفاء والبرد ونحوه، ولكن لم يكن معتادًا صناعة الخفاف والجوارب من الزجاج والباغات ونحوها، فإنها تمنع دخول الهواء والريح ويكون لها بعد الخلع رائحة مستكرهة في مشام الناس.
1 / 18
السؤال:-
ما الأفضل الغسل أو المسح؟
الجواب:-
الأفضل المسح عملًا بالسنة، ولحديث: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم". فمتى لبس الخفين أو الجوربين الصفيقين، وكان محتاجًا للبسهما، وأحدث بعد اللبس فتوضأ، فإنه يجوز له خلعها وغسل القدمين، ولكن يفضل تركهما والمسح عليهما أخذًا برخصة الله تعالى، ومخالفة لمن أنكر المسح؛ كالرافضة والخوارج، ورفقًا بنفسه، ودفعًا للحرج والشدة.
1 / 19
السؤال:-
ما الحكم فيمن لبس الخف ليمسح عليه؟
الجواب:-
يكره ذلك، فإن الأصل هو غسل القدمين، فمن لبس خفيه لقصد سقوط الغسل، لا لحاجته إليهما، فقد أخطأ.
ولهذا قال ابن القيم في "زاد المعاد": فصل في هديه ﷺ في المسح على الخفين، إلى أن قال: ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه. وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل قاله شيخنا أ. هـ.
وقال البعلي في "الاختيارات": وهل المسح أفضل، أم غسل الرجلين، أم هما سواء؟ ثلاث روايات عن أحمد، والأفضل في حق كل أحد بحسب قدميه، فللابس الخف أن يمسح عليه، ولا ينزع خفيه اقتداءً بالنبي ﷺ وأصحابه، ولمن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه. وكان النبي ﷺ يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح إذا كان لابس الخفين أ. هـ.
ونقل ذلك الشيخ ابن قاسم في "حاشية الروض المربع" عند قول الشارح: ولا يُسَنُّ أن يلبس خفًا ونحوه ليمسح عليه كالسفر ليترخص إلخ. يعني أنه يكره للمسلم السفر لأجل أن يتمتع برخصة من الفطر والقصر والجمع ونحوها، إذا لم يكن له غرض في السفر سوى التمتع بالرخص، فكذا من لا حاجة به إلى لبس الخف أو الجورب، وإنما قصد بلبسه سقوط غسل القدمين، مع أن فرضهما الغسل، وإنما المسح على الخفين رخصة عند الحاجة، والله أعلم.
1 / 20